الخميس، 13 أكتوبر 2016

حجمك عند اللهحجمك عند #الله .. #الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم
حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح :
imgأيها الأخوة، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، حجمك عند الله بحجم إحسانك، حجمك عند الله بحجم عطائك، حجمك عند الله بحجم محبتك، فالباب مفتوح، وهذه فرصة في العمر مرة، أن تأتي إلى الدنيا وأن يسمح الله لك أن تطيعه، وأن تعبده، وأن تتقرب إليه، من نعم الله الكبرى.

imgيا أخوان، ما منا واحد إلا وهو حريص حرصاً لا حدود له على سلامته، وعلى سعادته، وعلى استمرار وجوده، سلامتك بالاستقامة، وسعادتك بالعمل الصالح، واستمرار وجودك بتربية أولادك.
أنا لا أصدق أن يسعد أب وأم وابنهما على خلاف ما يتمنون، كلمة شهيرة ألقيتها بأمريكا، نقلت عني بشكل غير معقول، قلت لهم- وقتها بأمريكا كان كلينتون الزوج- لو بلغت منصباً ككلينتون، وثروة كأوناسيس، وعلماً كأينشتاين، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس.
وإذا كان يعاني المسلمون في بلادهم مشكلة تربية الأولاد أعتقد هنا المعاناة أضعاف مضاعفة، لذلك وصيتي الأولى والتي ألح عليها أن تعتنوا بأولادكم، لأن الابن امتداد لك، فلن تسعد إلا إذا كان ابنك كما تتمنى، والأمر يحتاج إلى جهد، ممكن بجهد معقول ببلادنا يتربى ابنك، لأن عمه، وخاله، وكل من حوله على شاكلة واحدة، وهناك جامع، واثنان، وثلاثة، وأربعة، ودروس دين، لكن ممكن ببلاد المهجر أن تكون الصوارف عن الدين كبيرة جداً، والعقبات كبيرة، الصوارف والعقبات.
قصة معبرة:
إذاً الإنسان حجمه عند الله بحجم عمله الصالح، في الشام حي اسمه سوق ساروجا، وهناك جامع مشهور اسمه جامع الورد، ولهذا الجامع خطيب، لكن هذا الخطيب رأى في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول له النبي الكريم: قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة، جاره سمان، وهذا خطيب، وله شهادات، وإلقاء محاضرات، وفصاحة وبيان، فأصابه قلق شديد، توجه إلى جاره، فلما طرق بيته، قال له: والله لك عندي بشارة من رسول الله ولكنني لن أخبرك بها إلا إذا أخبرتني ماذا فعلت مع ربك، يبدو أن هذا البقال تمنع وأصر ألا يقول، فلما ألح عليه تكلم.
قال له: قبل فترة عقدت قراني على امرأة، ومضى على زواجنا خمسة أشهر، كان حملها في الشهر التاسع، واضح؟ قال له: بإمكاني أن أطلقها، وهذا عدل، بإمكاني أن أفضحها وهذا عدل، بإمكاني أن أذكر السبب، والناس معي، وحتى أهلها معي، وكل من حولي معي ولكنني أردت أن أحملها على التوبة.
جئت لها بمن يولدها، فولدت طفلاً، حملت هذا الطفل تحت عباءتي، ووقفت أمام جامع الورد إلى أن نوى الإمام صلاة الفرض، فدخلت ووضعت الطفل وراء الباب، والتحقت بالمصلين، فلما انتهت الصلاة بكى هذا الطفل الصغير، تجمع المصلون حوله، توجه إليهم، وقال: خير إن شاء الله؟ قالوا: تعال وانظر- لقيط- قال: أنا أكفله أعطوني إياه، أخذه أمام أهل الحي، على أنه لقيط ودفعه إلى أمه.
هذه تذكرني بقوله تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ)
[سورة النحل الآية: 90]
طبعاً الإحسان أرقى، العدل قسري أما الإحسان فطوعي، بهذه الطريقة حملها على التوبة، وسترها، وسمح لها أن تربي ابنها.
والحمد الله رب العالمين
منقول عن:
محاضرات وندوات خارجية – أستراليا – الرحلة3 – المحاضرة ( 11 – 25 ) : التفكر في خلق السموات والأرض – بعض إعجاز الله في صنع خلقه.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2012-01-18 | المصدر

الحج #الإسلام

2949

بسم الله الرحمن الرحيم

فرضية الحج وفضله:
أيها الأخوة المؤمنون… يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)
[سورة آل عمران]
أيها الأخوة المؤمنون… هذه الآية الكريمة أصل في فرضية الحج، فالله سبحانه وتعالى يقول
(ولله على الناس حج البيت)
على سبيل الفرض من استطاع إليه سبيلاً، ومن كفر يعني من كان مستطيعاً أن يحج البيت ولم يحج البيت إنكاراً لفرضية هذه العبادة فقد كفر، والدليل قوله تعالى:
(وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)
[سورة آل عمران]
يا أيها الأخوة المؤمنون… روى البيهقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن ربه:
إن عبداً أصححت له جسمه، وأوسعت عليه في المعيشة، فأتت عليه خمسة أعوام لم يفد إلي لمحروم
أيها الأخوة الأكارم… عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ فَقَالَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ حَجٌّ مَبْرُورٌ
الحج المبرور كما فسره العلماء هو الحج الذي لا يخالطه إثم، وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى:
أن يرجع الحاج زاهداً في الدنيا راغباً في الدنيا فذلك هو الحج المبرور
وقال عليه الصلاة والسلام مخاطباً عمرو بن العاص رضي الله عنه
أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ
[صحيح مسلم 173]
يعني من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وقد قال بعض العلماء
الذي يفيض من عرفات ولم يلغب على ظنه أن الله قد غفر له فلا حج له
وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام قَالَ:
الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ وَإِنِ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ
[سنن ابن ماجة 2883]
وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام:
جِهَادُ الْكَبِيرِ والضَّعِيفِ وَالْمَرْأَةِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ
[مسند أحمد 9081]
وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام:
الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ
[صحيح البخاري 1650]
وأما النفقة في الحج فربما ارتفعت وربما كثرت الرسوم وربما ارتفعت أجور النقل وربما ارتفعت نفقات الإقامة، ربما ارتفعت نفقات الطعام والشراب هناك، قد يقول قائل كنا نحج بألفين فاليوم نحتاج إلى خمسين ألفاً، هو في الأساس على المستطيع، ولكن هذا المستطيع الذي ينفق خمسين ألفاً ليحج البيت ليستمع إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام:
النَّفَقَةُ فِي الْحَجِّ كَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِسَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ
[مسند أحمد 21922]
أيها الأخوة… هذه بعض الأدلة النقلية من آيات قرآنية ومن أحاديث قدسية ومن أحاديث نبوية تتعلق بفرضية الحج وفضله، فماذا عن فوائده ؟
فوائد الحج:
أجمع العلماء على أن الحج له من بين العبادات مكانة متميزة، فهو عبادة بدنية يحتاج الإنسان إلى سعي وطواف وسفر وانتقال وصلاة وعبادة، هو عبادة بدنية وعبادة مالية يحتاج إلى نفقات كثيرة، عبادة بدنية مالية زمانية ( لها زمان محدود ) مكانية ( لها مكان معين ) روحية، هذه العبادة جمعت بين حركات الجسم وبين إنفاق المال وبين المكان المحدد والزمان المحدد، لكن الأجر الذي أعده الله للحاج لا يعلمه إلى الله، وأقله أنه ليس له جزاء إلا الجنة.
يا أيها الأخوة المؤمنون… قد نعتقد ما نشاء ولكن اعتقادنا وإيماننا يحتاج إلى برهان، ربنا سبحانه وتعالى في أكثر من مئتين آية في كتابه الكريم يقول
(الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)
لأن العمل الصالح تجسيد للإيمان، ولولا العمل الصالح لم يكن هناك برهان على الإيمان، فالإيمان اعتقاد، فالإيمان تصديق، الإيمان إقبال، شيء نفسي داخلي لا يطلع عليه أحد، ولكن العمل الصالح تجسيد للإيمان، من هنا قال عليه الصلاة والسلام
الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل
لولا العمل ما كان هناك برهان على الإيمان.
قال بعض العلماء:
إن الحج برهان عملي يؤكد أن حب الله تعالى في قلب المؤمن يغلب على حبه لماله فعليه أن ينفقه، ويغلب على حبه لأهله فعليه أن يتركهم، ويغلب على حبه لأولاده فيجب عليه أن يغادرهم، ويغلب على حبه لدكانه فعليه أن يغلقه
إن الحج المبرور برهان على أن في قلب المؤمن محبة لله عز وجل تطغى على حبه لماله وأهله وأولاده وعمله وجيرانه، إنه برهان عملي على الإيمان الصحيح، من كان في قلبه إيمان صحيح كان أداء برهاناً على هذا الإيمان الصحيح.
يا أيها الأخوة المؤمنون… النبي عليه الصلاة والسلام قال:
اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم
من كانت حياته ناعمة، من كانت حياته رغيدة هذا إنسان ليس مؤهل أن يجاهد في سبيل الله فيأتي الحج ليكون تدريباً عملياً على الصبر وتحمل المشقة والأناة وحسن تلقي الشدائد بالرضى والقبول، فلذلك قال بعض العلماء:
إن الحج تدريب عملي على الصبر وعلى تحمل المشقة وعلى تجسد الشدائد وعلى مفارقة الأهل والأوطان وعلى حياة الخشونة كي يكون هذا الإنسان مستعد لعمل يرضي الله ورسوله إذا دعاه داعي الجهاد
يا أيها الأخوة المؤمنون… الحج فيه شظف للعيش ربما تضطر أن تنام على الأرض أما في بيتك فتنام على فراش وثير، وتنام في غرفة ذات جو معتدل، ربما تضطر أن تنام على أرض خشنة وتحت خيمة والشمس مسلطة عليها، هذا نموذج فلا بدّ من تحمل بعض الشدائد تنفيذاً لأمر الله سبحانه وتعالى، وليكون الإنسان جاهزاً لكل مشقة تدعوه إليها محبته لله عز وجل.
يا أيها الأخوة المؤمنون… الإنسان يصلي في بلده وقد يخطر على باله مشاكل الدنيا وخواطر عمله وخواطر أهله، ولكن حينما ينزع الحاج من بيته ومن عمله ومن بين أولاده ليتفرغ لعبادة الله عز وجل فهذا مما يقول إيمانه، حينما يغادر بلدته إلى بيت الله الحرام في بيت الله الحرام ليس هناك إلا ذكر الله تعالى والإقبال عليه والتهجد له والصلاة وقراءة القرآن، إن هذه العبادة المكثفة قد تصلي ونفسك مشغولة بأمور الدنيا، قد تصوم ونفسك معلقة بهذا المحل التجاري ولكن الحج ينتزعك من بلدتك وفي بلدت الهموم والمشكلات والمتاعب والرغبات والصراعات، إن من حكم الحج أنه تفرغ لله عز وجل، لذلك كان الحج رحلة إلى الله عز وجل، إني مسافر إلى ربي، إني أحج بيت الله الحرام أي أنك ذاهب إلى الله عز وجل ليهديك سواء السبيل.
يا أيها الأخوة المؤمنون… أصعب شيء على الغافل مغادرة الدنيا، يكون قد جمع الدنيا بالدرهم والدينار وبالدقيقة والثانية حتى صار له بيت مريح وأهل ومركز اجتماعي ودخل وفير فإذا جاء ملك الموت فسيخسر كل هذه الأشياء التي جمعها في عمره المديد في ثانية واحدة، لئلا تكون مغادرة الدنيا كالصاعقة على الإنسان أمر الإنسان بالحج لتكون رحلة الحج رحلة مشابهة للرحلة الأخيرة، الرحلة الأخيرة لا عودة منها، ولكن الرحلة قبل الأخيرة هناك عودة بعدها، فالإنسان حينما يحج البيت ينخلع عن مرتبته الاجتماعية، الحجاج والعمار سواسية لا فرق بين وزير وغفير ولا بين أمير وأجير ولا بين غني وفقير ولا بين قوي وضعيف، الكل حاسر الرأس يرتدي إزاراً ورداءاً ولا يحق له أن يناله شيء من نعيم الدنيا لا طيب ولا تقليم أظافر ولا حلق شعر ولا شيء من هذا القبيل، الإنسان حينما يحج البيت فكأنما حج البيت رحلة تعطيه حجمه الحقيقي، ألم يقل الله عز وجل:
(وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)
[سورة الأنعام 94]
فالإنسان إذا ذهب إلى الحج ورأى جموع المسلمين على صعيد واحد في وضع متساوي لا فرق بين واحد وواحد كلهم ضعيف يبتغي وجه الله عز وجل، إن هذا الحاج الذي ترك مكانته الاجتماعية ورتبته المدنية ووظيفته العالية وبيته المريح إن هذا الحاج يعود إلى حجمه الحقيقي، فكأن رحلة الحج تشبه رحلة الموت.
والله سبحانه وتعالى حين أمر الحجاج عن طريق النبي عليه الصلاة والسلام أن يرتدي ثوبين أبيضين رداء وإزار كأن الله عز وجل يريد من الحاج أن مظاهر الدنيا كلها لا قيمة لها عند الله عز وجل، فالله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أشكالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم، أي شيء يتيح لك أن تتزين به فهو محرم في الحج، ليس لك إلا هذان الثوبان غير المخيطين، ومن ارتدى ثياب الإحرام يعرف نعمة الثياب المخيطة، إنه تحجيم لهذا الإنسان الذي ارتفعت مكانته وكثر ماله ونسي المبتدى والمنهتى، إنه تحجيم لهذا الإنسان الذي ربما أدخلت على قلبه وفرت المال شعوراً بالعلو على بقية الناس.
يا أيها الأخوة المؤمنون… في الحج الناس تزداد تعظيماً لهذا النبي العظيم، كيف ؟ هذه البلاد الحارة التي أرادها أن تكون حارة في واد غير ذي زرع، في الحج سر لا يعرفه إلا من ذاقه، في الحج ازدحام وفي الحج حرارة شديدة وفي أيام الحج خشونة في المأكل والمشرب والملبس ومع ذلك من كان حجه صحيحاً ومخلصاً يتمنى أن يحج في كل عام، ما تفسير ذلك ؟ أن الله سبحانه وتعالى جعل طعم الإقبال عليه ولذة القرب منه وحلاوة التجلي تفوق كل هذه المصاعب، فعلى الرغم من كل هذه المصاعب يتوق من حج البيت حجاً صحيحاً أن يحج في كل عام.
إذاً الله سبحانه وتعالى حينما جعل الكعبة البيت الحرام في بلاد حارة وفي واد غير ذي زرع لا شجر ولا نبات ولا هواء رطب ولا مناظر خضراء إنما هي جبال جرداء وحر شديد ليبين أن أثمن ما في الحياة أن تكون موصولاً بالله عز وجل، فإذا اتصلت بالله في هذه الديار أنستك هذه الصلة كل هذه المتاعب والمشقات.
فليتك تحلو والحيــــاة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العــالمين خراب
كأن الله سبحانه وتعالى يقول لك تعال يا عبدي، تعال إليّ لأريحك من ذنوب أثقلت ظهرك، تعال إليّ لأريحك من حب الدنيا، تعال إليّ لأذيقك طعم قربي، تعال إليّ لأذيقك حلاوة مناجاتي، تعال إليّ لترى أن الإقبال على الله أثمن ما في الدنيا، تقول له لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، هذه التلبية تعني أنك استجبت لأمر الله.
يا أيها الأخوة المؤمنون… مهما تحدثنا عن المشاعر التي تنتاب الحاج في الأرض المقدسة فإنه من ذاق عرف، والعيان غير الخبر، ليس المعاين كالمخبر.
يا أيها الأخوة المؤمنون…من ملك الاستطاعة من زاد وراحلة، من ملك شروط الاستطاعة ومضى عليه خمسة أعوام لم يفد إليّ لمحروم، وفي بعض المذاهب الفقهية يعدّ تأخير الحج للمستطيع مكروهاً كراهة تحريمية لقول الله تعالى:
(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)
[سورة آل عمران 97]
يا أيها الأخوة المؤمنون… الإنسان في الحج كيف أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصعد إلى غار حراء من حين إلى آخر وكأن المؤمن محتاج إلى غار حراء، يعني كأن المؤمن محتاج إلى أن يتفرغ كي يعبد الله عز وجل لا مشكلة ولا قضية أسرية ولا في العمل ولا من الأصحاب ولا متاعب ولا مشقات، الحج تفريغ إجباري لهذا الإنسان الذي شغله ماله، أو شغلته مرتبته، أو شغلته مكانته في بلده عن التفرغ لله عز وجل.
أيها الأخوة المؤمنون… الحديث القدسي الذي يبين أنه
إذا أصححت لعبدي جسمه وأوسعت عليه في المعيشة فأتت عليه خمسة أعوام لم يفد إليّ لمحروم
يعني المسلم حينما يستجيب لهذا الذي اتفق عليه المسلمون أن يحجوا كل خمسة أعوام، هناك من يصر أن يحج كل عام لا شك أنه معذور لأنه ذاق حلاوة القرب، ولكن بعض العلماء ضرب مثلاً لو أن سجادة تتسع لأن يصلي عليها عشرة أشخاص وهناك مئة شخص بينهم عشرون قد صلوا الفريضة والثمانون لم يصلوا الفريضة بعد فنسمح للذين صلوا الفريضة أن يصلوا نفلاً على هذه السجادة أم نتيح المجال لمن لم يصل الفرض بعد أن يصلي عليها، يعني إذا كان الحرم المكي يتسع لمليون إنسان وأن العالم الإسلامي يزيد عن ألف مليون، وأن هناك ترتيبات أن يحج من كل مليون ألف حاج، وألا يسمح بالحاج أن يحج إلا بعد خمس سنوات، هذا الإجراء منطقي واتفقت عليه الأمة الإسلامية وبأجمعها في بعض المؤتمرات، فلذلك أن يتاح للذي لم يحج أن يحج بوضع مقبول ومعقول، أما إذا بلغ الزحام درجة الحد غير المقبول هذا الحج ربما فسد، بمعني أن الإنسان حينما ينسحب من شدة الازدحام أين إقباله على الله عز وجل، وأين التفاته إلى الله، فلذلك إذا كان هناك ترتيبات تقضي ألا يحج الإنسان إلا كل خمسة أعوام فهذه الترتيبات يؤكدها هذا الحديث القدسي:
إذا أصححت لعبدي جسمه وأوسعت عليه في المعيشة فأتت عليه خمسة أعوام لم يفد إليّ لمحروم
يعني هذا الذي أريد أن أؤكده أن الإنسان إذا تفضل الله عليه بحج مبرور ليفسح المجال لإنسان لم يحج بعد كي يحج في وضع مقبول ومعقول.
والحمد الله رب العالمين
منقول عن:
خطبه الجمعة – الخطبة 0219 : خ1 – أصل فريضة الحج ، خ2 – التمر.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1988-06-24 | المصدر

الأربعاء، 12 أكتوبر 2016

التأدب بآداب #الإسلام

2952
بسم الله الرحمن الرحيم
التأدب بآداب الإسلام:
أنت بعت صحوناً، أخي هذه الصحون يا ترى يريد أن يضع فيها مستلزمات المشروب؟
هذا ليس شغلك.
أنت بعت صحوناً، صحون يوضع بها طعام، هناك شخص يدقق بشكل مزعج.
الإنسان إذا دخل المسجد، و رأى إماماً، يسأل : أخي هذا الإمام ورع؟
هذا ليس شغلك، صلِّ وراء كل بر وفاجر. إذا تعرفه فاجراً سلفاً فلا تصلِّ وراءه، أما دخلت إلى المسجد فصلّ من أجل وحدة الصف.
إنسان وضع لك طعاماً، يا ترى هل ماله حلال؟
إذا قلت له: مالك حلال يجوز أن ينفر منك، إن قلت له: أنا لا أعرف هل دخلك حلال أم حرام؟ يعمل معه تحقيقاُ من أجل لقمتين، حل عنه لا يريد أن يطعمك.
النبي الكريم كان رقيقاً، قال صلى الله عليه وسلم :
إِنِّي لَمْ أُؤمَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ
[متفق عليه عن عمارة بن القعقاع]
كان بعض الأصحاب مع سيدنا عمر في البادية، وجدوا ماء يريدون أن يتوضؤون منه،
قال : يا صاحب الماء هل ترد الوحوش هذا الماء؟
قال سيدنا عمر :
يا صاحب الماء لا تخبرنا، أي ماء موجود، ونظيف، وطاهر
إذا كنت تريد أن تتبع الأمور لأقصاها صار هذا تعنتاً.
الإنسان يجب أن يتأدب بأدب الإسلام، هناك شخص يحل غلاظته على الناس باسم الدين، أنا من أجل أن أتحقق، من أجل أن أدقق وأتقصى الحلال، أنت تقصى الحلال بشكل لطيف ليس بشكل مزعج للناس، لئلا يكره الناس دينك.
إنسان اضطر أن يصافح شخصاً مشركاً، هو مسك العباءة وصافحه قال: هذا مشرك نجس، هذه ليس لباقة أن تصافحه بالعباءة، ليست نجاسة عينية، نجاسة حكمية، قد يكون منذ قليل كان في الحمام غسل بصابون معطر ووضع عطراً على يديه، ليس يديه النجسة، بل تصرفاته نجسة.
(إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)
[سورة التوبة : 28]
لا يصافحه إلا بالعباءة، هذا مما ينفر الناس من الدين.
مرة أحدهم قال لي : ضع لي عندك هذا الغرض، كتبت عليه السيد فلان، هو ليس مسلماً بل نصرانياً، قيل لي : كيف تقول عنه سيد؟ كان سيعمل لي مشكلة، قلت له : أنا أقصد السيد هو الذئب، وجمعه أسياد فسكت. نفدت منه بهذا التوجيه. يكون هو له عمل أسوأ منه، لكنه تزين بالباطل، المسلم إذا لم يكن ورعاً مستقيماً ما هذه الادعاءات الكاذبة؟
إني لا أصافح النساء
[النسائي وابن ماجه وأحمد ومالك عَنْ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ]
تراه يصافح معظم الناس وضحكته ظاهرة، ويشد على يدها من باب المودة وهي أجنبية عنه.
إني لا أصافح النساء، يقولون عنه : جلف، لا يوجد عنده لباقة، عند الله مكرم.
إني لا أقبل هدية مشرك، بعض الأشخاص يقبلون أية هدية، إن كانت من مشرك لها معانٍ كثيرة، لكن هناك استثناءات قليلة، إذا كان هذا المشرك فيه نواة طيبة، ويُرجى له الصلاح وقبلتها تأليفاً لقلبه، فالنبي فعل هذا حينما قبل مارية القبطية من المقوقس، أما للأفراد فلا يجوز، فإذا فعلوها فقد خالفوا هذا الحديث الشريف. لا تصح إلا من أنبياء أو ممن بيدهم ولاية الأمور، أما من أفراد فتقبل هدية من مشرك معنى ذلك كأنها رشوة، أي خذها واسكت. فالإنسان إذا جاءه خير عن طريق مشرك، أو كافر يميل نحوه، إذا مال قلبه إلى مشرك تنتقل له أحواله، شهواته، دناءته، ميوله المرضية، هذا كله يأتيه عن طريق العدوى، من أحبّ قوماً فهو معهم. كل نفس تُحشر على هواها، فمن هوي الكفرة حشر معهم ولا ينفعه علمه شيئاً.
إني وإن داعبتكم فلا أقول إلا حقاً
[الترمذي كتاب البر والصلة عن أبي هريرة]
هناك مزاح غليظ يسبب جلطة أحياناً، يسبب طلاقاً، أحدهم خطب امرأة قيل له هذه ليست من مستواك، ففي اليوم الثاني طلقها، بعد أسبوعين قال له : ماذا صنعت؟
قال له: والله كنت أمزح معك مزاحاً.
كان قد طلقها وانتهى، هذا المزاح مدمر.
إني وإن داعبتكم فلا أقول إلا حقاً
معناها المداعبة والمزاح مستحب من المؤمن، لكن المزاح الذي لا يخدش حياء إنسان، ولا يجرح إنسان، أي له شروط كثيرة جداً، مطلق المزاح غير مطلوب.
من كثر مزاحه استخف به، إياك وكثرة الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب.
لكن المزاح اللطيف، القليل، يضفي بهجة، وأنساً، ويسبب محبة وميل القلوب نحو المتكلم.
الفكاهة بالتعليم :
الفكاهة بالتعليم، أحياناً تشعر أن الطلاب قد تعبوا، وبقي لانتهاء الدرس ثلث ساعة، أحياناً طرفة أدبية تعطي نشاطاً و استماعاً إلى ساعة ثانية. ولكن له شروط، ألا تمزح على طالب بالذات، أو على مهنة أولياء الطلاب، هذا شيء لا يجوز، لذلك المعلم الناجح يعرف مهن أولياء الطلاب كلهم، ولو كان هناك طرفة ممتعة جداً تمس إحدى المهن فلا يستخدمها أبداً، لأنها تجرح طالباً. فالمزاح المطلوب هو الذي لا يؤذي أحداً، ولا يحرج إنساناً، ولا يجرح نفساً، ولا يخدش شعوراً. هناك مزاح ليس له علاقة بالحاضرين إطلاقاً، مزاح أدبي، مزاح لغوي، فكرة معينة، مفارقة.
إني وإن داعبتكم فلا أقول إلا حقاً
[الترمذي كتاب البر والصلة عن أبي هريرة]
التأدب بآداب النبي الكريم :
قال صلى الله عليه وسلم :
إنما يقيم من أذن
[كنز العمال عن ابن عمر]
إنما يقيم الصلاة من أذن، ما علاقة هذه بهذه؟ كان في المئذنة أنهى الأذان، فقام غيره ليصلي، ثم بدؤوا بالصلاة وهو لم ينزل من المئذنة، بهذه الطريقة المؤذن نفسه الذي كان في رأس المئذنة هو الذي يقيم الصلاة، هذا نظام اجتماعي.
ساقي القوم آخرهم شرباً، إذا إبريق ليمون والحاضرون عشرة، فعبأ كأساً وشربها، ثم صب كأساً وكأساً ثالثاً انتهى الإبريق، إذاً كان يجب بحسب الشرع أن يشرب آخر واحد، ساقي القوم آخرهم شرباً، اعمل حسابك، الكل يريد أن يشرب وأنت آخر واحد معنى هذا عليك أن توازن بحيث يبقى لك شيء في الآخر. إنما يقيم الصلاة من أذن، تريد أن تسبق المؤذن لا يجوز، الذي أذن يقيم الصلاة.
العيادة فواق ناقة، زرت مريضاً، يريد أن يأخذ إبرة، أو يقضي حاجة، قعد وانبسط، جلس ثلاث ساعات والمريض يغلي.
العيادة فواق ناقة، مقدار حلب ناقة، أي عشر دقائق.
والحمد الله رب العالمين
منقول عن:
الفقه الإسلامي – موضوعات متفرقة – الدرس 03 : التبرج.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1984-07-08 | المصدر
مترجم إلى: اللغة الإنجليزية

آداب الكسب و المعاش #الإسلام

2956
بسم الله الرحمن الرحيم
آداب الكسب و المعاش:
1.على التاجر أن يبدأ تجارته بنوايا طيبة:
التاجر يجب أن يبدأ تجارته بنوايا طيِّبة، من هذه النوايا أن يقصد الكَفَّ عن السؤال – عن سؤال الناس – من هذه النوايا أن يكفَّ عن التطلٌّع لما عند الناس، من هذه النوايا أن يقصد خدمة المسلمين، من هذه النوايا أن يقصد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و أن يبني علاقاته مع الناس على الإحسان وعلى العدل، وأن يذكر الله سبحانه وتعالى في تجارته، إذا فعل ذلك كانت هذه التجارة جُزءاً من عمله الصالح .
2. أن يقصد القيام في صنعته أو تجارته بفرض من فروض الكفايات :
أن يقصد القيام في صنعته أو تجارته بفرض من فروض الكفايات لأن الصناعات والتجارات لو تركت بطلت المعايش وهلك أكثر الخلق .
3. ألا يمنعه سوق الدنيا عن سوق الآخرة :
شيءٌ مهم جداً، عليه إقبال شديد، عليه ضغط، بضاعته رائجة، محلِّه في مكان حسَّاس، انشغاله في البيع والشراء، أو انشغاله في المكاسب الدنيويَّة أخَّرته عن المكاسب الأخرويَّة، إذا فعل ذلك فقد وقع في فخِّ الشيطان . .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)
[سورة المنافقون : 9]
فألا يمنعه سوق الدنيا عن سوق الآخرة، للآخرة سوق وللدنيا سوق، وأسواق الآخرة المساجد، المساجد أسواق الآخرة، بها تتعرَّف إلى الله سبحانه وتعالى، وبها يزداد علمك، وتزداد رؤيتك وضوحاً، ويزداد قربك، لذلك من علامات المؤمن أنه لا تشغله الدنيا عن الآخرة ربنا عزَّ وجل قال :
(رِجَالٌ)
[سورة النور: 37]
كلمة رجالٌ لا تعني ذكراً بل تعني بطلاً، ثلاثةٌ أنا فيهنَّ رجل وفيما سوى ذلك فأنا واحدٌ من الناس :
” ما سمعت حديثاً من رسول إلا علمت أنه حقٌّ من الله تعالى، ولا صلَّيت صلاةً فشغلّت نفسي بغيرها حتَّى أقضيها، ولا سرت في جنازةٍ فحدَّثت نفسي بغير ما تقول حتَّى انصرف منها “
ربنا عزَّ وجل قال :
(رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ)
[سورة النور: 37]
لا تلهيهم، للتجارة وقتٌ وللعبادة وقتٌ، وإن لله عملاً في الليل لا يقبله في النهار، وإن لله عملاً في النهار لا يقبله في الليل . .
4. أن يلازم ذِكر الله سبحانه وتعالى في السوق :
إذا الإنسان كان في السوق في محلِّه التجاري، في عمله، في وظيفته وذكر الله عزَّ وجل، ذكر آية لشخص، شرح له حديثاً، ذكر نعمة الله سبحانه وتعالى، قال : سبحان الله، سمع قصَّة فيها موعظة قال : لا حول ولا قوَّة إلا بالله، فالإنسان ما دام وهو في مكان عمله يجب أن يذكر الله سبحانه وتعالى لقوله تعالى :
(الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ)
[سورة المعارج: 23]
كيف يداوم على صلاته ؟ هناك خمس صلوات، هذه الآية حُمِلَت على أن قلبهم ملتفتٌ إلى الله سبحانه وتعالى طوال نهارهم، فهذا المؤمن وهو في السوق يشتغل بذكر الله سبحانه وتعالى .
قال عليه الصلاة والسلام :
مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فَقَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ
[الترمذي عن عمر بن الخطاب]
لا إله إلا الله أي لا رازق إلا الله، لا ينبغي أن تحلف كذباً، لا ينبغي أن تُدَلِّس، لا ينبغي أن تَغُش، لا ينبغي أن تكتم عيباً، لا ينبغي ألا تنصح المسلمين، لا إله إلا الله، لا رازق إلا الله .
وقال الحسن رضي الله عنه:
ذاكر الله في السوق يجيء يوم القيامة له ضوءٌ كضوء القمر، وبرهانٌ كبرهان الشمس، ومن استغفر الله في السوق غفر له بعدد أهله
إذا كان محلِّه في مكان مزدحم له مغفرة كبيرة، سيدنا عمر كان إذا دخل السوق قال:
اللهمَّ إني أعوذ بك من الكفر والفسوق، ومن شرِّ ما أحاطت به السوقُ، اللهمَّ إني أعوذ بك من يمينٍ فاجرة وصفقةٍ خاسرة
إذا إنسان غير موفَّق الله سبحانه وتعالى يريه أن هذه البضاعة ممتازة، وسوف يربح منها أرباحاً طائلة، فإذا اشتراها نفر الناس منها، وبقيت في مستودعه لا تباع ولا تشترى، عندئذٍ ربنا عزَّ وجل قال :
(وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا)
[سورة التوبة: 24]
فأصعب شيءٍ في حياة التاجر أن يدخل إلى دكَّانه أو إلى مستودعه فيرى البضاعة قد مضى عليها سنوات ولا يسأله عنها أحد . .
(وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا)
[سورة التوبة: 24]
المؤمن الله عزَّ وجل يلهمه البضاعة الرائجة، والبضاعة غير الرائجة يصرفها عنه، لا يوجد هنا ذكاء بينهما، تجد تاجراً عريقاً بالتجارة، له أربعون سنة بالتجارة، يشتري صفقة فيفلِّس منها، فسيدنا عمر كان يقول:
اللهمَّ إني أعوذ بك من أن أصيب يميناً فاجرة أو صفقةً خاسرة
قال عليه الصلاة والسلام:
التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقيين والشهداء
[الدارمي عن أبي سعيد]
أنا أقول لكم هذا الكلام : التاجر الذي يخشى الله سبحانه وتعالى، يخشى الله ولا يخشى أحداً إلا الله، عنده هذه البضاعة اشتراها بعشرة ربحه فيها ليرتان صارت اثني عشر، جاءه شخص بحاجة ماسَّة لها، لو طلب خمسين سيدفع له ثمنها، قال له : اثنا عشر، هذا التاجر لا يمكن أن يخوِّفه الله من جهة ثانية، لا يمكن أن يخوِّفه الله عزَّ وجل من جهة أرضيَّة، تجده لا يخاف، أما إذا جاءه شخص بحاجة فاستغلَّ حاجته أبشع استغلال وضاعف السعر، في اليوم الثاني له حساب، يأتي له شخص يجعله يرجف، طبعاً أنت لم تخف الله عزَّ وجل بينك وبينه فخوَّفك من عباده، من خاف الله خافه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء .
5. ألا يكون شديد الحرص على السوق والتجارة :
فيما يدعو لشفقة التاجر على دينه وهو في السوق ألا يكون شديد الحرص على السوق والتجارة، وذلك بأن يكون أول داخلٍ وآخر خارجٍ، الآن من نعم الله أنه يوجد تحديد للدوام، لكن قبل التحديد تجد السوق للساعة الحادية عشرة، الثانية عشرة، والنساء في البيت وحدهن، كل زوجة لها حق، لا يجعل واحداً يتأخَّر عنه، يظل بالسوق لآخر الوقت، أول إنسان يفتح، قال : هذا مكروه، عن عمرو بن العاص يقول:
” لا تكن أول داخلٍ في السوق ولا آخر خارجٍ منها، فإن بها باض الشيطان وفرَّخ “
الذي يدخل أول واحد ويخرج آخر واحد، إبليس يقول لزبانيَّته : سر بكتائبك فأت أصحاب الأسواق، زيِّن لهم الكذبَ والحَلْفَ والخديعة والمكر والخيانة، وكن مع أول داخلٍ وآخر خارجٍ، وفي الخبر: شرُّ البقاع الأسواق، وشرُّ أهلها أولهم دخولاً وآخرهم خروجاً .
6. ألا يقتصر على اجتناب الحرام بل يتقي مواقع الشُبُهات :
عندنا حرام وعندنا شبهات، إذا الإنسان ترك الحرام لابأس به، لكن هناك شيئاً آخر وهو ترك الشبهات، ومظان الريب، ولا ينظر إلى الفتاوى، يا أخي توجد فتوى أن البيع ولو مع الدين لا شيء عليه، فلان وفلان أنت أفهم منهم ؟ لا، لست أفهم منهم، قال : المؤمن الصادق لا يقبل الفتاوى التي نُقِلَت إليه التي فيها إباحة لبعض المنهيات، فأنا كلَّما سألني إنسان شيئاً أقول له: تريد الفتوى أم التقوى ؟ الفتوى موجودة، أي معصية لها فتوى، إنسان ضيع خمسين ليرة ذهباً، فدعا الله : يا رب أدعو ألا يجدها شيخ، قال له : لماذا ؟ قال له : سيؤول فتوى ويأخذها، الفتوى موجودة أما التقوى فهذه غير سهلة، فأي معصية تريد أن تقترفها توجد لها فتوى، لكن إذا كنت تريد التقوى، تريد مرضاة الله، استفت قلبك وإن أفتاك المفتون وأفتوك .
الإمام الغزالي يقول:
ألا يقتصر على اجتناب الحرام بل يتقي مواقع الشبهات، ومظان الرِيَب، ولا ينظر إلى الفتاوى
وقال صلى الله عليه وسلم:
ترك دانقٍ من حرام خيرٌ من ثمانين حجةً بعد حجةِ الإسلام
[ورد في الأثر]
7. أن يراقب جميع مجاري معاملاته مع كل واحدٍ من معامليه :
الأشياء التي يحترز بها التاجر على دينه أن يراقب جميع مجاري معاملاته مع كل واحدٍ من معامليه، قال : فإنه مراقبٌ ومحاسب، فليعدَّ الجواب ليوم الحساب والعقاب في كل فعلةٍ وقولةٍ لماذا قالها ؟ ولماذا فعلها ؟ ولأجل ماذا ؟ قال : فإنه يقال: إنه يوقف التاجر يوم القيامة مع كل رجلٍ باعه في الدنيا، إذا عندك بيع في اليوم حوالي خمسين أو ستين زبوناً على أربعين سنة أعانك الله، واحد واحد، قلت له : هذه البضاعة لا يوجد منها وهي يوجد منها لكي يشتري على الفور، إذا قلت له : هذه البضاعة أصليَّة و كانت ليست كذلك تعال إلى الحساب، وبعدها أتى الزبون الرابع أنت قلت له : إن هذه البضاعة تصنيع محلي وهي فيها عيب وأنت لم تظهره، أبداً، كم زبون بعت في حياتك ؟
يُحْشَر الأغنياء أربع فرقٍ يوم القيامة :
فريقٌ جمع المال من حرامٍ وأنفقه في حرام
أهون حساب حسابه . . يقال : خذوه إلى النار، لا يوجد ازدحام، ولا طوابير، على الفور خذوه إلى النار،
فريقٌ جمع المال من حرامٍ . . عنده ملهى . . وأنفقه في حلال
فيقال : خذوه إلى النار . . حسابه سريع . .
فريقٌ جمع المال من حلالٍ . . تجارة شرعيَّة . . وأنفقه في حرام . . على المعاصي . .
فيقال: خذوه إلى النار،
فريقٌ جمع المال من حلالٍ وأنفقه في حلال
فيقال : قفوه فاسألوه، هذا سيحاسب، حلال بحلال قفوه فاسألوه ؛ هل قصَّر في حقِّ جيرانه؟ هل قصَّر في حق من حوله؟ هل قال جيرانه : يا رب لقد أغنيته من بيننا فقصَّر في حقِّنا؟ هل ترك فرض صلاةٍ؟ هل سها على عباد الله؟ عنده ملايين الأسئلة، النبي الكريم من بلاغته المعجزة قال:
فتركته يُسْأل ويُسْأل
عمله طويل لا ينتهي بيومين أو ثلاثة .
والحمد الله رب العالمين
منقول عن:
الفقه الإسلامي – موضوعات متفرقة – الدرس 19 : آداب الكسب والمعاش – آداب التعامل في الأسواق.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1986-02-09 | المصدر

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

التبرج #الإسلام

2963
بسم الله الرحمن الرحيم
بقاء المرأة في بيتها نظام اجتماعي أمثل تنتظم به الحياة:
التبرج إظهار ما يجب إخفاؤه، إظهار محاسن المرأة التي أمر الله بإخفائها، الآية القرآنية التي تتحدث عن التبرج قوله تعالى :
(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)
[سورة الأحزاب : 33]
بهذه الآية أسئلة كثيرة، أول شيء حينما يذكر الله عز وجل شيئاً في كتابه الكريم فمعنى ذلك أن هذا الشيء أساسي في سلامة المرء وسعادته في الدنيا والآخرة .
لا يظن بعض الناس أن الله عز وجل ذكر آية في القرآن الكريم فيها توجيه اجتماعي أن هذه الآية من الثانويات، ما دام الله عز وجل قال :
(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)
[سورة الأحزاب : 33]
معنى ذلك أن بقاء المرأة في بيتها نظام اجتماعي أمثل تنتظم به الحياة ويسعد به الرجال، وتسعد به النساء، ويسعد الناس في الدنيا والآخرة .
المرأة إذا خرجت من بيتها، وخالطت الرجال سببت فساداً كبيراً . لأن المرأة محببة إلى الرجال هذه فطرة، قال تعالى :
(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ)
[سورة آل عمران : 14]
كيف أن البارود يشتعل بالنار، من خصائص هذه المادة اشتعالها بالنار، فإذا منعت النار عن البارود فهذا مبني على علم كبير، ربنا عز وجل قال :
(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)
[سورة الأحزاب : 33]
فلما خرجت ابنتا سيدنا شعيب عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام لسقي الغنم قالتا :
(قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ)
[سورة القصص: 23]
أي ما خرجنا إلا لسبب قاهر، أما من غير سبب قاهر فينبغي أن تبقى المرأة في بيتها، وليس معنى ذلك أن تبقى جاهلة، بعض الجهلة يقرن بين بقاء المرأة في بيتها وبين الجهل، يجب أن تبقى في بيتها وهي في قمة الفهم، والتأدب بأخلاق الإسلام والتفقه في الدين وفهم كتاب الله، واتباع سنة رسول الله، قربنا عز وجل يقول :
(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)
[سورة الأحزاب : 33]
لا حاجة إلى التفصيل لأن كلكم تعرفون ذلك، ولو أن امرأة متبرجة تعمل في مكان، يراها الرجال كل يوم، وكل ساعة، الرجال على أنواع، بعضهم كالذئب، بعضهم كالثعلب، بعضهم يشتهي ما ليس عنده، هذا شيء طبيعي أن يتقرب الرجال إليها، فإذا تقرب الرجال إليها شعرت بقيمتها، وبخطورة جمالها في الحياة، لذلك تستعلي على زوجها في البيت، تفسد علاقتها مع زوجها، وتفسد علاقة الأزواج مع زوجاتهم، وتحتل مكان رجل لو عُين مكانها لتزوج، إذاً عطلت مكاناً لرجل، وعطلت زواجاً لأنثى، ورزقها مضمون على أبيها أو على زوجها، هذا نظام الإسلام . فربنا عز وجل حينما قال :
(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)
[سورة الأحزاب : 33]
أي النظام الأمثل أن تتفرغ المرأة لرعاية زوجها وأولادها، وأن تكون عالمة لأمر دينها وحقوق زوجها .
(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)
[سورة الأحزاب : 33]
السؤال الدقيق : لماذا قرن الله عز وجل بين أمره الشريف العظيم
(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)
– وبين نهيه الآخر – :
(وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)
[سورة الأحزاب : 33]
لماذا قرنهما مع بعضهما ؟ الأصل أن تبقى المرأة في البيت . يا بنيتي يا فاطمة – هكذا قال عليه الصلاة والسلام – ما خير ما تفعله المرأة ؟ قالت : ألا ترى وألا تُرى .
صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي بَيْتِهَا
[سنن أبي داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ]
الدار مجمل الغرف مع الساحة الثانوية، مع الفناء، أما البيت فالغرفة، ” وصلاتها في قعر بيتها خير من صلاتها في بيتها ” . إذا في غرفتين، غرفة مطلة على فناء الدار، وغرفة داخلية، لأن المرأة كلها فتنة، صوتها فتنة، حركتها، مشيتها .
(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)
[سورة الأحزاب : 33]
ما علاقة النهي الثاني ؟ فإذا خرجتن لأمر ضروري لا تبرجن، إذا قلنا لإنسان : لا تأكل أكل النهم، فهل نحن ننهاه عن الأكل ؟ لا . لا تقوموا لي كما يقوم الأعاجم، الأعاجم يقومون تعظيماً لملوكهم، أما إذا قام الصحابة الكرام لنبيهم فهذا التعظيم ليس لذاته، بل لحقيقته العظمى، إذاً النهي ليس نهياً مطلقاً .
(وَلَا تَبَرَّجْنَ)
[سورة الأحزاب : 33]
المرأة لابد من أن تتبرج لزوجها، فإذا تركت التبرج لزوجها أثمت، لأنها إذا تبرجت لزوجها كان تبرجها لزوجها أغض لبصره، وأحصن لنفسه، لكن المرأة غير المسلمة تتبرج لغير زوجها، للأجانب في الطرقات، تظهر مفاتنها لمن ليس له علاقة بها، تبرز مفاتنها لمن لا يجوز له أن يرى مفاتنها، تبرز مفاتنها فتفسد علاقة الأزواج بزوجاتهم، أو تفسد علاقة الشباب بربهم، أو تفسد علاقة المجتمع بعضه ببعض .
(وَلَا تَبَرَّجْنَ)
[سورة الأحزاب : 33]
أي هذه الفتنة، هذا الجمال الذي منحه الله للمرأة، حينما منحه إياها من أجل أن يكون عوناً لها على أن يحبها زوجها، من أجل الوفاق الزوجي، أي المرأة محببة، لو أنها تقوم بتربية الأولاد وتقوم بالوضع، وبالحمل، وبالرضاع، وبالخدمة، وبالطبخ وليس لها شكل مقبول، لم تستقم الحياة الزوجية، لكن الله سبحانه وتعالى جعل لها هذا الشكل المحبب وقال :
(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ)
[سورة آل عمران: 14]
من أجل أن تكون الألفة بينهما :
(وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)
[سورة الروم: 21]
هذه مودة، تأتي من أنها محببة للرجل، هذا الشيء الذي منحه الله إياه لعلة واضحة، إذا استخدمت لغير ما خلقت له فقد فسدت وأفسدت .
على المرأة صون عرضها و عفافها لأن هذا أثمن ما تملك :
قال تعالى :
(وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)
[سورة الأحزاب : 33]
في الجاهلية كانت النساء تتبرج لا بقصد إرضاء أزواجهن، بل بقصد إبراز مفاتنهن، لذلك هذه تصل في تفرغ المرأة لزوجها، وفي صونها لنفسها، وأثمن ما تملك المرأة شرفها وعرضها وعفافها، فإذا عرضت هذا الشيء الثمين لأنظار الناس كلهم فقد أثارت حولها الذئاب، الجوهرة المكنونة توضع في علبة مخملية، وفي صندوق، أما الشيء التافه الذي لا قيمة له فتراه ملقياً في الطريق .
(وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)
[سورة الأحزاب : 33]
من الكلمة الأولى يُفهم أن هناك جاهلية أمر وأدهى سوف تأتي في آخر الزمان .
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ)
[سورة الأحزاب : 59]
أكثر المفسرين فسروا هذه الآية أن الجلباب يجب أن يستر جسد المرأة كله، من رأسها إلى أخمصها، هذا هو الجلباب، وسُمح أن تبقى عين واحدة مكشوفة كي ترى طريقها.
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ)
[سورة الأحزاب : 59]
والآن هات لي واحدة لا يرى الناس وجهها، لا يستطيع أحد مهما بلغ فسقه أن يسمعها كلمة في الطريق، ولا أن يتحرش بها، ولا أن يصف شكلها، ولا أن يتكلم كلاماً يؤذيها، لأنه لا يراها، فإذا بدا الوجه، وهو موطن الفتنة في المرأة كانت التعليقات، إن كان فاتناً علق الناس تعليقاً خاصاً، فإن لم يعلقوا أضمروا في نفوسهم ما لا تُحمد عقباه، وإن نظروا وكان في الوجه دمامة تكلموا بكلمات تعقد هذه المرأة، لذلك قال الله عزوجل :
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ)
[سورة الأحزاب : 59]
معنى المرأة التي تظهر مفاتنها قد تؤذي، وقد تؤذى، تؤذي بإثارة الشهوات وقد تؤذى ببعض الكلمات التي تجرح شعورها إن بقي عندها شعور .
على كلٍّ الآية الثانية :
(وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا )
[سورة النور : 31]
المفسرون قالوا : الذي يظهر من زينة المرأة طولها، هل تستطيع أن تخفي طولها؟ كونها ممتلئة الجسم أو نحيلة ؟ هذا شيء لا تستطيع أن تخفيه، لذلك الآية الكريمة :
(وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)
[سورة النور : 31]
أما الوجه لو أن الوجه مستثنى من هذه الآية إلا ما أظهرن، بيدها أن تظهره أو لا تظهره، أما إلا ما ظهر ليس إلا ما أظهرن منها، الوجه إلا ما أظهرنا، والمعصم إلا ما أظهرن، والرقبة إلا ما أظهرن، كل هذه الأعضاء يمكن سترها، إلا ما ظهر من دون قصد، ومن دون إرادة، ومن دون إمكان، إلا ما ظهر منها، قالوا : طولها، وقالوا : ثيابها.
ابتعاد المرأة عن التبرج :
قال تعالى :
(وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)
[سورة النور : 31]
الجيب فتحة الصدر، يضربن بخمورهن، والخمار الرداء التي تختمر به المرأة، والخمر تستر عقل الإنسان، والخمار يستر المرأة ولتضرب خمارها على جيبها مروراً بوجهها .
(وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
[سورة النور : 31]
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :
يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح لها أن يُرى منها
[أبو داود عن عائشة]
أي المرأة إذا بلغت سن البلوغ لا ينبغي أن يراها الأجنبي لأنه إذا رآها زرعت الشهوة في قلبه، يقول عليه الصلاة والسلام :
إن المرأة إذا أقبلت أقبلت في صورة شيطان
[الترمذي عن جابر بن عبد الله]
أي إذا رأيتها مقبلة بزينتها حركت الشهوة، وإذا رأيتها مدبرة حركت الشهوة لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ
[مسلم عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ]
ويقول عليه الصلاة والسلام :
صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا
[مسلم وأحمد عن أبي هريرة]
أي الثوب إذا شفّ عن لون الجلد فهذا ليس بثوب، إنها بهذه الثياب كاسية عارية، أي القماش الرقيق الذي يظهر ملامح الجسد يدخل بهذا الحديث كاسية عارية، والثياب الثخينة إذا كانت ضيقة فوصفت حجم العضو كاسية عارية .
كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا
كيف أفهم أن امرأة مؤمنة تظهر مفاتنها للأجنبي ؟ إيمانها بقلبها كبير، لا تدع الصلاة، أي غطاء رأسها في محفظتها، لكن مضطرة، هذا كلام مرفوض، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
أب سأل بناته، لماذا أنتن متحجبات ؟ فأجابت كل فتاة كلمة بحسب مستواها قالت إحداهن : لأن الله أمر بذلك، وقالت أخرى : لأنني بهذا أرضي الله عز وجل، وقالت ثالثة : أنا متحجبة لئلا أؤذي عباد الله .
شاب في مقتبل حياته، ملتهب، إذا رأى فتاة وكان منظرها مثيراً لشهوته، ماذا يصنع بنفسه ؟ جاهل، ليس له مجلس علم يعلمه غض البصر، ليس له أستاذ يعلمه الدين الصحيح، ليس له تعلق بالآخرة، سيفسق، سينحرف، سوف يبتغي وراء ذلك، هي شريفة ما جرؤ على التكلم معها، ولا تكلم معها، ونظرها في الأرض، ولكن زرعت الفتنة في نفسه.
إذا لبست المرأة لباساً حديثاً وفق أحدث الموضات، معنى ذلك أنها تدعو الناس إلى النظر إليها، تدعو الناس إلى التهامها بعيونهم، وتقول إنها شريفة، أين شرفها ؟ لو أنها شريفة لحجبت مفاتنها عن الذئاب . أقول الذئاب بالذات .
مثل مضحك، إذا رجل ركب سيارة عامة ترى أبوابها مخلوعة لها وضع خاص هذه عامة، أما السيارة الخاصة فمنتظمة، أيضاً المرأة لما تظهر مفاتنها صارت عمومي ليست خصوصي، مستهلكة من الجميع، يستمتع بها الجميع، ولا شأن لها عند الله عز وجل أما هذه المرأة التي خلقها لتكون لزوجها، فعندئذ يرزقها الله بهاءً إلى أمد طويل، سبحان الله المرأة التي تصون نفسها بالخمسينات مشرقة، والتي يراها الأجنبي صباحاً ومساءً بسن مبكرة يذهب رونقها، ويذهب جمالها لأنها استهلكت، استهلكت وأهلكت .
والحمد الله رب العالمين
منقول عن:
الفقه الإسلامي – موضوعات متفرقة – الدرس 03 : التبرج.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1984-07-08 | المصدر

الحق و الباطل #الإسلام

2966
بسم الله الرحمن الرحيم
الحق و الباطل :
التَّذَلُّل بالحق أقرب إلى العزّ من التَّعزّز بالباطل، لأنّ الباطل زاهق، وإذا كان الباطل زاهقاً سيَزْهق معه من اعْتزَّ به، ومن كان مُبْطلاً، ومن أحب أهل الباطل، ومن عاون أهل الباطل، ومن كان معهم، ومن كان منهم، ومن كان فيهم، قال تعالى:
(إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً)
[سورة الإسراء : 81]
فإذا الإنسان خضع للحقّ وما استعلى فهو في طريق العِزّ، وإذا اعْتزّ بالباطل فهو في طريق الذلّ، وهذا من المفارقات، إذا تذلَّل لأهل الحق صار في طريق العزّ، وإذا استعلى عليهم، واعْتزَّ بأهل الباطل صار في طريق الذلّ، ولا ينفعُهُ عملهُ شيئًا، فهذا العقل الكبير، أنت تكون متواضعًا لله، ولرسوله، ولعباده المؤمنين، وتكون عزيز النفس على عباده غير المؤمنين، فإذا اعْتززْت بغير المؤمنين واسْتعليْتَ على المؤمنين فأنت في طريق الذلّ، لأنَّ الدعاء النبويّ الشريف يقول :
سبحانه إنّه لا يذلّ إلا من عاديت، ولا يعز إلا من واليْت
قال تعالى :
(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ)
[سورة فاطر : 10]
لا يوجد إنسان يكره العزَّة قال تعالى :
(وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً)
[سورة الفتح : 3]
النَّصر العزيز الذي لا ذُلَّ معه، وكلّ مؤمن له من الآية نصيب، إذا أنت كنت مع الله عز وجل بدائرتك، وبعملك، وبوظيفتك، وبتجارتك، ولك مكانة وشأن، لا أحد ينال جانبك لأنَّك معه، وإذا أنت اعْتززْت بأهل الباطل الله عز وجل يلهمهم أن يتخلَّوا عنك بأحرَج وقت، من أعان ظالمًا سلَّطَه الله عليه، تقع بخَيبَة أمل فظيعة، وأنت الذي بذلْت كلّ هذه الجهود لِتُعين أهل الباطل، إذا هم ينقلبون ضدَّك، ويجعلونك عِبرةً للناس، الإنسان يكون مع الحق، فعبد الحق حرّ ولا يكون عبدًا للباطل، فكلّ من كان مع الباطل كان زاهقًا معه.
والحمد الله رب العالمين
منقول عن:
الفقه الإسلامي – موضوعات متفرقة – الدرس 16 : تتمة صفات المتعلم .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1985-01-27 | المصدر