الأربعاء، 31 أغسطس 2016

معرفة الله من خلال أسماء الله الحسنى #التعريف_بالله

بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة المؤمنون، في القرآن الكريم أربع آيات فيها ذكر أسماء الله الحسنى.
في الآية الأولى يقول الله عز وجل:
(قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)
[سورة الإسراء]
وفي الآية الثانية:
(اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)
[سورة طه]
وفي الآية الثالثة:
(هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
[سورة الحشر]
وفي الآية الرابعة:
(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)
[سورة الأعراف]
يا أيها الإخوة الكرام، بادئ ذي بدء، أسماء الله حسنى، و صفاته فضلى، فأيُّ شيء يصل إليكم، ويتضح منه ظلمٌ فهذا شيء مردود، لأن الله سبحانه و تعالى له الأسماء الحسنى.
بعض الظن الذي يتناقض مع أسمائه الحسنى:
1. أن يخلق الله عبدا، وأن يجبره على الكفر، و أن يضعه في جهنم إلى أبد الآبدين، من دون ذنب منه إلا أن الله قدّر عليه الكفر، هذا يتناقض مع أسمائه الحسنى.
جاء سيدَنا عمر رجلٌ شارب خمر، فقال: أقيموا عليه الحد، قال: واللهِ يا أمير المؤمنين إن الله قدّر عليّ ذلك، فقال رضي الله عنه: أقيموا عليه الحدّ مرتين ؛ مرة لأنه شرب الخمر، و مرة لأنه افترى على الله، قال: ويحك يا هذا، إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار
2. من توهّم أن عبدا مؤمنا يطيع اللهَ طوال حياته، وفي آخر عمره تزل قدمه فيكون من أهل النار من دون ذنب من العبد، ومن دون سبب منه، من يقول بهذا لا يعرف الله عز وجل.
3. ومن ظن أن الله يضع الذين ناصبوه العداء طوال حياتهم في الجنة، و يضع الذين أفنوا حياتهم في طاعة الله في النار فهو لا يعرف الله، لأن هذا يتناقض مع أسماء الله الحسنى.
4. من ظن أن الإنسان يضيع عمله بلا سبب، لأن الله شاء له ذلك، فهو لا يعرف الله، وهذا يتناقض مع أسماء الله الحسنى.
ينبغي أن يكون فهمك عن الله فهماً صحيحاً:
ينبغي أن يكون فهمك عن الله فهما صحيحا، ينبغي أن تنزِّهه عن كل نقص، ينبغي أن تصفه بكل كمال، هذه الآيات الأربع تعطيك توجيها معيّنا، إياك أن تقبل قصة تتهم الله بالظلم، إياك أن تفهم، أو أن تقبل قصة تسيء إلى الذات الإلهية.
ادعو الله باسمه بحسب موطن ضعفك:
ماذا قال العلماء عن هذه الآية الأخيرة؟
(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)
[سورة الأعراف]
أي لك أن تقول يا هادي، يا دليلي اهدِني إلى صراطك المستقيم، أسماء الله كلها حسنى، وكل اسم أنت في أمس الحاجة إليه في موطنه، ففي موطن الضعف تقول له: يا قوي، و في موطن الفقر تقول له: يا رزّاق ارزقني، و في موطن التيه، تقول له: يا هادي اهدني إلى صراطك المستقيم هذا طرف من معنى قوله تعالى:
(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)
أنت في أي ظرف تحتاج إلى نصر، وما النصر إلا من عند الله، تقول: يا قوي انصرني.
تحتاج إلى علم، يجب أن تعلم علم اليقين أن الله وحده هو الذي يتفضل عليك بمعرفته.
لن تستطيع أن تقبل عليه إلا بكمال مشتق من كمالاته:
لبعض العلماء رأي هو: أنه لن تستطيع أن تقبل عليه إلا بكمال مشتق من كماله، إن أردت رحمته فارحم خلقه، إن أردت أن ينصفك من خصمك فكن أنت منصفا، إن أردت أن يتلطف بك، فكن أنت لطيفا بالخلق، إن أردت أن يمنحك من عطائه فكن أنت كريما، لن تستطيع أن تقبل عليه إلا بكمال مشتق من كمالاته،
قال عز وجل:
(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)
اتخذْ من الكمال الذي تتصف به هذه الأسماء وسيلة للإقبال على الله.
معرفة الأسماء الحسنى والصفات الفضلى جزء أساسي من العقيدة:
أيها الإخوة الأكارم، معرفة الأسماء الحسنى والصفات الفضلى جزء أساسي من العقيدة، والعقيدة كما تعلمون أخطر شيء في الدين، لأنه من فسدت عقيدته فسد عمله، ومن فسد عملُه استحق شقاء الدنيا و عذاب الآخرة.
قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ يَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلَا يَرَى شَيْئًا وَيَنْظُرُ فِي الْقِدْحِ فَلَا يَرَى شَيْئًا وَيَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلَا يَرَى شَيْئًا وَيَتَمَارَى فِي الْفُوقِ
[رواه البخاري]
هكذا وصفهم النبي عليه الصلاة و السلام، و قد يبالغون في بعض العبادات.
تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِم
لكن ساءت عقيدتهم، وفسدت عقيدتهم فمرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرميّة.
أيها الإخوة الكرام، الخطأ في العقيدة لا يصحّح، و صاحبه لا يتوب لأنه مستكبر، كما أن الخطأ في الميزان لا يصحح، لو وزنت بميزان فيه خطأ في أصل تركيبه، لو وزنت به مليون وزنة، فكلها خطأ، أما الخطأ في الوزن لا يتكرر، فرق كبير بين الخطأ في الميزان، و بين الخطأ في الوزن، الخطأ في الميزان لا يصحح، بينما الخطأ في الوزن لا يتكرر، الخطأ في السلوك سهل أن تتوب منه، أما الخطأ في العقيدة صعب أن تدعه، لذلك احذر ألف مرة مِن أن تعتقد عقيدة ليست صحيحة، و ما من عقيدة غير صحيحة إلا انعكست سلوكا غير سليم، لو أننا سلّمنا جدلاً أنه لا علاقة للعقيدة بالسلوك فاعتقد ما شئت، ولكن لتعلم أنه ما من عقيدة فاسدة أو منحرفة إلا انعكست سلوكا فاسدا منحرفا، لذلك كان أخطر شيء في الدين على الإطلاق هو العقيدة، فقد يمرق الإنسان من الدين كما يمرق السهم من الرميّة، و يبالغ في بعض العبادات، فقد تحتقر صلاتك أمام صلاتهم، فمروقهم من الدين ناتج عن فساد عقيدتهم، فضلُّوا سواء السبيل.
شيء آخر أيها الإخوة، و هذه من الأحاديث التي ينبغي أن نعيها، إن لم يكن هناك إخلاص لله عز وجل فالعمل محبط، فقد يُؤتى يوم القيامة بأناس لهم أعمال كجبال تهامة، يجعلها الله هباءً منثورا.
قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ:
لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا
[رواه ابن ماجه]
هم يتقنون أن ينتزعوا إعجاب الآخرين، لكنهم في خلواتهم يعصون الله عز وجل، أما في جلواتهم فهم ورعون مستقيمون متكلمون متفاصحون متفيهقون، هؤلاء لهم أعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباء منثورا.
ماذا يتضح من هذين الحديثين الخطيرين اللذين ترتعد لهما المفاصل؟ يتضح أنه:
1. لا بد من أن تصح عقيدتك كي يصحّ عملك.
2. ولا بد من أن تخلص النية لربك.
من هنا سأل أحدهم الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى:
ما العمل المتقبَّل؟ قال: إذا كان خالصا و صوابا، خالصا ما ابتغي به وجه الله، و صوابا ما وافق السنة
لذلك ورد عن ابنَ عمر:
دينَك دِينَك، إنه لحمك و دمك
خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا
استقاموا في عقيدتهم، و استقاموا في سلوكهم، و استقاموا في أحوالهم.
دقِّق أيها الأخ الكريم في قوله تعالى:
(وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)
[سورة الكهف]
هذا الإنسان الذي اتبع هواه لا ينبغي أن تسأله، لا ينبغي أن تستنصحه، لا ينبغي أن تركن إليه، لا ينبغي أن تستضيء بناره، لا ينبغي أن تقتديَ به.
قال تعالى:
(وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)
إذًا ينبغي أن تتبع مَن؟
(وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ)
[سورة لقمان]
يجب معرفة أسماء الله الحسنى حتى لا يُتخذ من دون الله أولياء:
أيها الإخوة الكرام، لماذا نتحدث عن أسماء الله الحسنى؟ ولماذا ينبغي أن نعرف أسماء الله الحسنى؟ وأن نعرف مدلولاتها وأبعادها، وما تستوجب علينا من سلوك، لأن الإنسان إذا اكتفى – ودققوا فيما أقول – لأن الإنسان إذا اكتفى بأن يقول: الله خالق السماوات والأرض، ولم يشعر بحاجة إلى المزيد عن الله عز وجل، إلى معرفة المزيد عن الله عز وجل، كيف أن الله رحيم، و كيف أن الله حكيم، وكيف أن الله قوي، و كيف أن الله غني، إن لم يشعر بحاجة إلى معرفة المزيد عن أسماء الله و صفاته فمثل هذا الإنسان – قبل أن أتابع – و لم يشعر بحاجة إلى أن ينصاع إلى أمره، و أن يحتكم إلى شرعه – فمثل هذا الإنسان قد يتخذ من دون الله أولياء، ثم يقول:
(مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)
[سورة الزمر]
وقال تعالى:
(وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)
[سورة يوسف]
هذا الذي يكتفي أن يؤمن أن الله خلق السماوات والأرض، ولا يشعر بحاجة إلى أن يأتمر بأمره، ولا أن ينتهي عما عنه نهاه، و لا يحتكم إلى شرعه، هذا قد يعيش مشركا، ويتخذ من دون الله أولياء، ثم يقول:
(مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)
أيها الإخوة الكرام، يعني أنت إن علمت أن الله هو الرزاق، لن تنافق أَحدًا، لن تيأس، لن تستخذي، لن تتطامن، لن تتضعضع أمام غني.
من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه
لو علمت أن الله هو الرزاق و لن ينساك من فضله، و لك عنده رزق.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ
[رواه ابن ماجه]
إن علمت أن الله هو العليم تستحي أن تعصيه، لا تنظر إلى صغر الذنب و لكن انظر على من اجترأت، عليك أن تراقب نفسك مراقبة دقيقة، إن علمت أن الله يعلم فلا بد أن تستقيم.
قال عز وجل:
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً)
[سورة الطلاق]
أن تعلم أن الله يعلم، فهذا أكبر باعث على طاعته والاستقامة على أمره.
أيها الإخوة الكرام، إن علمت أن الله على كل شيء قدير فلن تضعف أمام مرض عضال، و لا أمام مصيبة كبيرة، فأنت تعرف أن الله على كل شيء قدير.
لعل انعكاس معرفة أسماء الله الحسنى، و صفاته الفضلى في النفس البشرية شيء لا يصدق، إن عرفت أن الأمر بيده وحده، لا تطمع بما عند إنسان، و لا تذمه على ما لم يعط، إن علمت أن الله وحده هو المتصرف لا ترجو سواه، لا تعقد الأمل على غيره، لا تتكل على غيره، لا تتأمل بغيره، معرفة أسماء الله الحسنى و صفاته الفضلى لها انعكاس لا يُصدق على سلوك الإنسان، ما من خلل في السلوك إلا بسبب ضعف في معرفة كمالات الله عز وجل.
يجب فهم أسماء الله الحسنى وفق قواعد صحيحة:
أيها الإخوة الكرام، يمكن أن تقرأ موضوعا عن أسماء الله الحسنى من خلال كلام المتكلمين و عقائد الأقدمين وهذا لا يكفي، و لكن ينبغي أن تفهم أسماء الله الحسنى من خلال القرآن الكريم، ومن خلال سنة النبي عليه أتمّ الصلاة والتسليم، و من خلال الوقائع و أفعال الله.
قال تعالى:
(فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)
[سورة النحل]
ينبغي أن تفهم أسماء الله الحسنى فهمًا وفق أصول الشريعة، وفق الكتاب و السنة، وفق أفعال الله، وفق ما تمليه عليك الوقائع التي نراها كل يوم، و التي كلها تؤكد أن الله موجود وواحد و كامل.
أيها الإخوة الكرام،
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مِائَةٌ إِلَّا وَاحِدًا لَا يَحْفَظُهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَهُوَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ
[رواه البخاري]
وقَالَ أيضاً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مِائَةٌ إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا كُلَّهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ
[رواه أحمد]
وبعد،
فمستحيل وألفِ ألف ألف مستحيل أن تعرفه ثم لا تحبه، ومستحيل و ألف ألف ألف مستحيل أن تحبه و لا تطيعه
العقبة أن تعرفه،
فإن عرفته عرفت كل شيء، و إن فاتكَ فاتك كل شيء
أيها الإخوة الكرام، هذا القول يذكِّرنا بقول بعض العلماء:
من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه، و أن تسمع داعيه ثم تتأخّر عن الإجابة، و أن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره، و أن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له، و أن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأُنس بطاعته، و أن تذوق عصرةَ القلب عند الخوض في حديث غير الحديث عنه ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره و مناجاته، و أن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره و لا تهرب منه لنعيم الإقبال عليه و الإنابة إليه، و أعجب من هذا علمُك أنه لا بد لك منه، و أنك أحوجُ شيء إليه و أنت عنه معرض، و فيما يبعدك عنه راغب
هذا من أعجب الأشياء.
معاني ” مَنْ أَحْصَاهَا ” دخل الجنة:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مِائَةٌ إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا كُلَّهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ
أيها الإخوة الكرام، من أحصاها دخل الجنة، ما معنى “من أحصاها”؟
قال تعالى:
(لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً)
[سورة مريم]
اختلاف بُنْيَة الكلمة يلزم اختلاف المعنى، أحصاهم و عدّهم، قد تعدّ طلابك الخمسين، تقول: عندي خمسون طالبا، أما إن عرفت كل طالب على حدة، ما وضعه النفسي، و العلمي والاجتماعي والديني، وكذلك وضع أهله، وضع والده، وضع والدته، كم من أخٍ له أكبر منه، وكذلك كم هم مَن أصغر منه، مستوى ذكائه، مستوى تحصيله، هذا هو الإحصاء:
(لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مِائَةٌ إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا كُلَّهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ
[رواه أحمد]
نقف وقفة متأنية عند إحصاء هذه الأسماء،
المعنى الأول: “أحصاها” فقد استوفاها:
قال بعض العلماء: من أحصاها فقد استوفاها، يريد ألاّ يقتصر على بعضها، و لكن يدعو الله بها كلها، و يثني عليه بجميعها، لا تختر من هذه الأسماء بعضها فقط، فأسماؤه كلها حسنى، حتى إذا توهّمت بنقص علمك أن الله منتقم، ما معنى منتقم؟ هو الذي يوقف الظالم عند حدِّه، ينتقم منه رادعا له، رحمة بالآخرين، يجب أن توقن يقينا قطعيا أن أسماء الله كلها حسنى، و أن صفاته كلها فضلى، هذا المعنى الأول،
المعنى الثاني: “أحصاها” يعقل معانيها، فيلزم نفسه بواجباتها:
وقال بعضهم: من أطاق القيام بحق هذه الأسماء والعلم بمقتضاها، وهو أن يعقل معانيها، فيلزم نفسه بواجباتها، اشتمل أو خضع أو غُطِّي بهذا الحديث، ” من أحصاها ” من أطاق القيام بحق هذه الأسماء، ومن عمل بمقتضاها، وهو أن يعقل معانيها، وأن يلزم نفسه بواجباتها فقد أحصاها،
المعنى الثالث: “أحصاها” الإحاطة بمعانيها:
المراد بالإحصاء أيضا الإحاطة بمعانيها، فمن قول العرب: فلان ذو حصاة، أي ذو عقل و معرفة، و قال بعض المفسرين: المرجو من كرم الله تعالى أنه: مَن حصل له إحصاء هذه الأسماء على إحدى هذه المراتب مع صحة النية فله أن يدخله الله الجنة، و هذه المراتب الثلاث ؛ مراتب السابقين و مراتب أصحاب اليمين و مراتب الصدِّيقين.
المعنى الرابع: “أحصاها” عرفها:
ومن معاني ” أحصاها ” أي عرفها، لأن العارف بها لا يكون إلا مؤمنا، يعني في قوله تعالى:
(الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ)
[سورة الكهف]
ورد في بعض التفاسير أن الباقيات الصالحات سبحان الله و الحمد لله ولا إله إلا الله و الله أكبر، يعني إذا سبحته وحمدته و كبّرته ووحّدته فقد عرفته، و إن عرفته فأنت مؤمن، وإن كنت مؤمنا لا بد من أن ينعكس إيمانك استقامة و عملا صالحا، إذًا هي الباقيات، وما سوى هذه فهي الفانيات.
قيل:” أحصاها ” عرفها، لأن العارف بها لا يكون إلا مؤمنا،
المعنى الخامس: ” أحصاها ” يريد بها وجه الله وإعظامه،
فإذا قال: “الحكيم ” سلَّم بأن كل ما يقع في الكون حكمة مطلقة، إذا أراد الله شيئا وقع، و إذا وقع الشيءُ أراده الله، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، و حكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق، بل إن المؤمن يعتقد ؛ إذا قال اسم الحكيم أن لكل واقع حكمة و لو كان الموقع مجرما، ولو كان الموقع فاسدا، و لو كان الموقع مخطئا، ما دام الله قد سمح له أن يقع إذًا هو حكمة بالغة.
أيها الإخوة الكرام، مَنْ قَال: “القدُّوس” يجب أن ينزِّه الله عن كل نقص، عن كل شيء يشير إلى النقص، يقول: سبوح قدُّوس، ربُّ الملائكة و الروح.
المعنى السادس: “أحصاها” سلك طريق العمل بها:
ويقول بعض العلماء: ” أحصاها ” أي سلك طريق العمل بها، فعلى العبد أن يسعى كي يتّصف بهذه الكمالات التي هي منهجه و طريقه إلى الله،:
(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)
[سورة الأعراف]
أي تخلّق بهذه الكمالات التي تشف عن أسماء الله الحسنى كي تكون وسيلة لك في الإقبال على الله والدعاء له.
ثم إن بعض العلماء فصّل في ذلك، قال:
1.أسماء يمكن للعبد أن يتخلق بكمالاتها:
أولاً: الأسماء التي يتصف الله بها، و يمكن لعبد أن يشتق كمالها من الله، تقول: الله رحيم، و بإمكان المؤمن أن يرحم من حوله، فهذه ينبغي أن يتخلق بكمالاتها.
2.أسماء مختصه بالله:
ثانياً: وما كان مختصًّا بالله تعالى كالجبّار والعظيم فيجب على العبد أن يقرَّ بها و يخضع لها و ألاّ يتحلّى بها.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ
[رواه أبو داود]
وما كان فيه معنى الوعد يقف من هذا الوعد راجيا رحمة الله، و ما كان فيه معنى الوعيد يقف منه العبدُ وهو يخشى عذاب الله.
الدعاء بأسماء الله الحسنى:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَعَلَّمُهَا فَقَالَ بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا
[رواه أحمد]
وهذا الحديث يبيِّن أن أسماء الله الحسنى أكثر من تسعة وتسعين اسما، من أحصى هذه الأسماء دخل الجنة، و لكن الأسماء التي تُستنبط من هذا الحديث كثيرة جدا، و قد ورد عن بعض الصحابة أن النبي عليه الصلاة و السلام كان يدعو و يقول: وأسألك بأسمائك الحسنى ما علمت منها و ما لم أعلم، و أن السيدة عائشة دعت بهذا الدعاء فأقرّها عليه.
الخلاصة:
أنه لا ينبغي أن تكتفي بأنْ تعرف أنّ الله خلق السماوات والأرض، بل ينبغي أن تطلب المزيد من معرفته فتبحث في أسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، و انعكاس معرفة أسمائه الحسنى و صفاته الفضلى على سلوك المؤمن واضح وجليٌّ و صارخ، إن كل اسم تستوعبه و تستوعب مدلوله، و تعمل بمقتضاه ينقذك من مرض نفسي، ينقذك من أن تنافق، من أن تيأس، من أن تخاف، من أن تستخذي، ولا بد من أن تكون منعكسات هذه الأسماء الحسنى و الصفات الفضلى على السلوك منقطعة النظير.
والحمد الله رب العالمين
منقول عن: خطبة الجمعة – الخطبة 0756 : خ1 – معرفة الله من خلال أسمائه الحسنى ، خ2 – ولا تقف ما ليس لك به علم .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2000-08-11 | المصدر

محبة الله #التعريف_بالله




بسم الله الرحمن الرحيم
موقع محبة الله من الدين:
وموقع المحبة من الدين كما يتضح من المثل التالي:
بيت فيه عشرات الأجهزة الكهربائية، من براد إلى غسالة إلى مروحة، إلى مكيف، إلى فرن، إلى مسجلة، هذه الأدوات الكهربائية لا معنى لها من دون طاقة كهربائية، تصبح عبئاً، تشغل حيز أنت في أمس الحاجة إليه، لأنها لا تقدم شيئاً، أما إذا سرت الطاقة الكهربائية في هذه الأجهزة فكل جهاز يقدم لك خدمات لا تنتهي، موقع المحبة من الدين كموقع الطاقة الكهربائية من الأجهزة الكهربائية، من دون كهرباء لا معنى لها، ولا قيمة لها، ولا تؤدي شيئاً ولا وزن لها.
أيها الإخوة الكرام، موقع المحبة من الدين في أهم موقع، أصحابها وقفوا على الحقائق ووقف سواهم على الصور والأشباح.
المحبة حياة:
أيها الإخوة الكرام، مقام المحبة تنافس فيه المتنافسون، وشمر إليه السابقون، وتفانى فيه المحبون، المحبة قوت القلوب، وغذاء الأرواح وقرة العيون، هي الحياة التي من حرمها فهو في جملة الأموات، وقد وصف الله تعالى الكافرين فقال:
(أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)
[سورة النحل]
هي النور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، هي الشفاء الذي من عدمه حلت به جميع الأسقام هي السعادة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام.
المحبة هي النسبة بين العبد والرب:
ما معقد النسبة بين العبد والرب؟ لا نسبة بين العبد وبين الرب إلا محض العبودية له، فالعبد عبد والرب رب، محض العبودية للعبد ومحض الربوبية للرب، ولا نسبة بينهما إلا المحبة، والمحبة تعني العبودية لله عز وجل.
أيها الإخوة الكرام، العبد عبد من كل وجه، والرب رب من كل وجه ولا نسبة بينهما إلى المحبة، يعني علاقتك بخالق الكون هي المحبة فلولا المحبة لما كان هذا الدين، فالمحبوبية أساس العلاقة بين الله وبين عباده.
المحبة والتخيير:
ولو أراد الله سبحانه وتعالى أن يحملنا جميعاً على الطاعة لحملنا، ولكن هذه الطاعة القسرية لا قيمة ولا تسعد أصحابها، لذلك لا إكراه في الدين.
قال الله تعالى:
(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)
[سورة هود]
وقال تعالى:
(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)
[سورة يونس]
ولكن تنتفي المحبوبية، ينتفي الحب، ينتفي الاختيار، تنتفي المبادرة.. المبادرة والطاعة الطوعية، والاختيار، والحب والشوق أساس الدين ولولا هذه الأسباب لجعل الله الناس أمة واحدة، لحملهم جمعاً على الطاعة لسيرهم على نحو أو آخر.
المحبة روح الإيمان:
أيها الإخوة الكرام، المحبة هي روح الإيمان، هي روح الأعمال، هي روح المقامات، هي روح الأحوال، فمتى خلت منها كانت هذه الأعمال، وهذا الإيمان وهذه الأحوال وتلك المقامات، كالجسد الخالي لا روح فيه.
المرء مع من أحب:
ذهب أهل المحبة بشرف الدنيا والآخرة، إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب، لقد قضى الله يوم خلق السماوات والأرض أن المرء مع من أحب إذا كنت محباً لله فأنت معه وإذا كنت معه كان معك، وإذا كان معك نصرك، وإذا كان معك حفظك، وإذا كان معك أيدك، وإذا كان معك وفقك، إذا كان الله معك فمن عليك، وإذا كان عليك فمن معك ويا رب ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟.
قضى الله يوم خلق السماوات والأرض ـ هذا من سنة الله في خلقه ـ أن المرء مع من أحب، فإذا أحببت الله كنت معه، وإذا كنت معه كان معك، وإذا كان معك وطمأنك، ووفقك، وحفظك، وأيدك ونصرك وأسعدك وهذه مطالب الإنسان إلى نهاية الدوران.
المحبة حقيقتها الإتباع :
أيها الإخوة الكرام، أقيمت المحبة للعرض في سوق من يزيد، فلم يرض الله لها بثمن دون بذل النفوس، فقام المحبون يتنافسون عليها، ولما كثروا مدّعوا المحبة، طولبوا بإقامة البينة على صحة دعواهم.
لو يُعطى الناس بدعواهم، لادعى الخلي حرقة الشجي
فهذه الدعوى لا تُقبل إلا ببينة، والبينة:
قال الله تعالى:
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
[سورة آل عمران]
لا تقع في وهم خطير، لا تظنن نفسك محباً إن لم تتبع سنة النبي، لا تتوهم أنك محب لله إن لم تكن متبعاً لحبيبه في أقواله، وأفعاله وأحواله وأخلاقه، علامة حبك لله اتباع سنة النبي، وأية دعوى لا تأتي بالدليل والبينة فدعوى باطلة.
معاني المحبة وتعاريفها:
أيها الإخوة الكرام، لو عدنا إلى معاجم اللغة وبحثنا عن مادة الحب، وحب، وأحب، نجد هذه المعاني تتمحور حول خمس معاني، الصفاء والبياض، العلو والظهور اللزوم والثبات، اللب، الحفظ والإمساك، هذه معاني المحبة في قواميس اللغة، فلا بد من صفاء المودة، ولابد من هيجان إرادة القلب للمحبوب ولابد من علو المحبة وظهورها، ولابد من ثبات إرادة القلب على حب محبوبك، ولابد من لزوم محبوبه لزوماً ثابتاً، وإعطاء المحبوب لب القلب وسويداءه.
أيها الإخوة الكرام، المحبة من تعاريفها الدقيقة:
1. هي الميل الدائم بالقلب الهائم.
2. المحبة إيثار المحبوب على جميع المصحوب.
3. المحبة موافقة المحبوب في المشهد والمغيب، الذي يحب الله عز وجل لا يتأثر بزمان ومكان، هو مع الله والله معه في كل زمان ومكان، أما هؤلاء الذين ينضبطون في مكان، ويتفلتون في مكان هؤلاء لا يخضعون لله، بل يخضعون لتقاليد وعادات وهذه تنفي عنهم المحبة، أناس كثيرون في بعض البلاد، في بلادهم يصلون الصلاة بأوقاتها، يؤدون ما عليهم من واجبات دينية، فإذا سافروا إلى بلاد أخرى تفلتوا من منهج الله، هؤلاء لم تدخل المحبة إلى قلوبهم ولكنهم خضعوا لتقاليد وعادات هي بشكل أو بآخر لا تقدم أو تؤخر.
4. المحبة استكثار القليل في جنب الله عز وجل، استكثار القليل من فضل الله عز وجل، وفضل الله كثير، واستقلال الأعمال الصالحة مهما كبرت يعني إذا فُعل معك خير رأيته كثيراً، فإذا فعلت شيئاً رأيته قليلاً وهذه من علامات المحبين.
5. المحبة أن تهب كلكَ لمن أحببت فلا يبقى لك منه شيء.
قال تعالى:
(قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
[سورة الأنعام]
ماذا أبقيت يا أبا بكر؟ ” قال الله ورسوله “، أعطى كل ماله للنبي عليه الصلاة والسلام، هذه مرتبة السابقين السابِقين.
6. المحبة أن تهب إرادتك وعزمك وأفعالك ونفسك ومالك ووقتك لمن تحب وأن تجعلها حبساً في مرضاته وفي محابه فلا تأخذ لنفسك منها إلا ما أعطاك الله، فتأخذ منه له، هذا معنى قوله تعالى:
(بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ)
[سورة هود]
بقي لك من هذا ما سمح الله لك به، بقي لك من المال الكسب المشروع بقي لك من النساء زوجتك ومحارمك، بقي لك من العلو في الأرض الزهو بطاعة الله لا بمخالفة أمره.
الأسباب الجالبة لمحبة الله والموجبة لها:
أيها الإخوة الكرام: من الأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها:
1. أن تقرأ القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أُريد به، تلاوة كلام الله عز وجل أحد الأسباب الموجبة لرحمته، إن أردت أن تحدث ربك فادعه، وإن أردت أن يحدثك الله فاقرأ القرآن، فقراءة القرآن أحد أسباب محبة الله عز وجل.
2. والتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض توصل المحب إلى درجة المحبوبية.
3. ودوام ذكر الله عز وجل على كل حال بالقلب واللسان والعمل، فالإنسان أيها الإخوة نصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر، من أحب شيئاً أكثر من ذكره.
ورد في الأثر:
يا ابن آدم إنك إن ذكرتني شكرتني، وإذا ما نسيتني كفرتني
ورد في الأثر:
برئ من النفاق من أكثر من ذكر الله
دوام الذكر على كل حال بالقلب واللسان والعمل، إذاً نصيب المحبة على قدر النصيب من الذكر،
والآية الكريمة:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا ُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا)
[سورة الأحزاب]
قال العلماء: الأمر ينصب لا على الذكر فحسب بل على الذكر الكثير.
4. أن تؤثر محابه على محابك، تحب شيئاً، ويحب الله شيئاً، فعندما تتوافق الأشياء التي تحبها مع الأشياء التي يحبها الله عز وجل ليس هناك من مشكلة وليس هناك من غضاضة، وليس هناك من حرج، وليس هناك من تضحية أما حينما تتعارض محابك مع محاب الله، أي حينما يتعارض الذي تحبه مع الذي يحبه الله عز وجل، هنا تظهر محبتك، لا تكون المحبة إلا إذا آثرت ما يرضه على ما يرضيك، إلا إذا آثرت ما تشتهيه على ما يريده لك.
أيها الإخوة الكرام، إيثار محابه على محابك عند غلبة الهوى، والتطلع إلى محابه وإن صعب المرتقى، لابد من مجاهدة النفس والهوى، لأن أصل التكليف يتناقض مع ظاهر الطبع، ويتوافق مع الفطرة، فلا بد من التضحية برغبات النفس أمام طاعات الله عز وجل.
قال تعالى:
(وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)
[سورة النازعات]
5. والشيء الذي يقربك من الله عز وجل أن تأتيه من باب الانكسار، أن تأتيه من باب الذل، فأصحاب النبي رضوان الله عليه، كانوا متذللين إلى الله فنصرهم الله عز وجل.
قال تعالى:
(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
[سورة آل عمران]
أما في حنين وهم من هم أصحاب رسول الله وفيهم رسول الله أعجبتهم كثرتهم.
قال تعالى:
(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ)
[سورة التوبة]
فالافتقار إلى الله أحد الأسباب الموجبة لمحبته، والاعتداد بالنفس بمالك أو بعلمك، أو بسلطانك، أو بقوتك، أو بأتباعك، حجاب بينك وبين الله وهذا يوجب المقت.
6. ومن أسباب محبة الله عز وجل الخلوة بها، وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه.
قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ الْوُضُوءِ وَلأَخَّرْتُ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِ اللَّيْلِ فَإِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفُ اللَّيْلِ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا جَلَّ وَعَزَّ فَقَالَ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأُجِيبَهُ
[ورد في الأثر]
7. من الأسباب الموجبة للمحبة، مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب كلامهم، وأن لا تتكلم بحضرتهم إلى إذا رجحت مصلحة الكلام.
8. أن تتباعد عن كل سبب يحول بين قلبك وبين الله عزّ وجل، أي شيء يقربك من الله تفعله وأي شيء يبعدك من الله تفعله، هذه أحد أسباب محبة الله عزّ وجل.
لكي تُحب الله:
أيها الإخوة الكرام، موضوع دقيق دقيق وخطير خطير، وهو أنك إذا عرفت أن الله خلق الكون وكفى كيف تحبه؟
1.مطالعة أسماءه الحسنى:
أما إذا طالعت أسماءه الحسنى، وصفاته الفضلى، وقفت ملياً عند اسم الرحيم، عند اسم الكريم، عند اسم الغني عند اسم الملك، عند اسم القادر، عند اسم العفو، عند اسم الرؤوف إذا طالعت أسماءه اسماً اسْماً، وتأملت في دقائقها، وفي مظاهرها، وفي أحوالها وصلت إلى محبة الله عز وجل.
أنت بالأمثلة الظاهرة إذا رأيت إنسان في الطريق لماذا تحبه؟ لا تحبه ولا يحبك، أما إذا سمعت عن أخلاقه، عن استقامته، عن علمه عن حكمته، عن تضحيته، عن حبه للخير، فالذي تراه لمرة واحدة دون أن تعرف دقائق طبعه، دقائق سلوكه لا تحبه.
فلذلك إن أردت أن تحب الله عز وجل فلا من أن تقف ملياً عند أسماء الله الحسنى، عند كمالاته من أجل أن تحبه.
2.تذكر نِعم الله عليك:
فالنفوس جُبلت على حب من أحسن إليها، فالقانون أنك تحب الجمال والكمال والنوال، فهذه الخصائص الثلاثة مجتمعة بالله عز وجل، إن الله جميل يحب الجمال، ذاتٌ كاملة، إحسانه لا ينقطع.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أحبوا الله لما يغذوكم به من نعم
[ورد في الأثر]
يجب أن تشكر نعمة الوجود، نعمة الإمداد، نعمة الصحة، نعمة الحواس نعمة الأعضاء، نعمة الأجهزة، نعمة المأوى، نعمة الزوجة نعمة الولد نعمة السمعة الطيبة، نعمة أنك حر لست مقيداً، هذه نعم يجب أن تذكرها من أجل أن تحب الله عز وجل، فلا بد من مشاهدة بره وإحسانه، وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة فإنها داعية إلى محبته.
3.تذكر حماية الله لك:
لابد من أن تذكر أيام الله الأيام العصيبة التي حماك الله فيها، التي وفقك فيها التي نجاك فيها من ورطة كبيرة، هذه أيام، ولكل مؤمن أيام مع الله هذه إن فترت نفسه عليه أن يذكرها، كي يزداد حبه لله عز وجل.
المحبة والمحبوبيه:
أيها الإخوة الكرام، رسوخ هذه المحبة وثباتها في قلب إنما يكون بمتابعة النبي عليه الصلاة والسلام في أعماله وأقواله وأخلاقه، فبحسب هذا الاتباع تثبت هذه المحبة وتقوى، وبحسب نقصان الاتباع تنقص هذه المحبة وتتلاشى، هذا الاتباع يوجب المحبة والمحبوبية معاً، والفرق بينهما كبير، المحبة أن تحب الله أما المحبوبية أن يحبك الله، أن تكون محبوباً، فاتباع النبي عليه الصلاة والسلام يوجب المحبة والمحبوبية معاً، ولا يتم الأمر إلا بهما معاً… دققوا بهذه الفكرة، كل واحدٍ يقول أنا أحب الله، لماذا؟ لأنه خلقني، ورزقني وزوجني وآواني.
أيها الإخوة العبرة أن لا تحب الله فقط، العبرة أن يحبك الله، دعوى محبته سهلة، بل إن كل إنسان يحب الإحسان، فإذا أحسن الله إليك تحبه، وإحسانه مستمر وإحسانه أبدي سرمدي، لذلك ليس الشأن أن تحب الله، بل الشأن أن يحبك الله، ولا يحبك الله عز وجل إلا إذا اتبعت حبيبه ظاهراً وباطناً وصدقته خبراً، وأطعته أمراً، وأجبته دعوةً، وآثرته طوعاً، وثنيت عن حكم غيره بحكمه، وعن محبة الخلق بمحبته، وعن طاعة غيره بطاعته، وإن لم يكن ذلك كذلك فلا تتعنت وارجع إلى حيث كنت ولتمس نوراً فلست على شيء، هذا ملخص الملخص.
إن لم تؤثر هواه على هواك، ومحبته على محبتك، وطاعته على طاعة الخلق، ورضاه على رضى الخلق، فأنت لست على شيء ومعرفة الحقيقة المرة، خير من الوهم المريح، اعرف الحقيقة المرة في الوقت المناسب كي تتلافاها.
قال تعالى:
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
[سورة آل عمران]
الشأن أن يحبك الله، لا أن تحبه فقط، أن يحبك هو، وهو لا يحبك إلا إذا اتبعت سنة نبيه.
حقيقة على هامش الموضوع:
أيها الإخوة الكرام، حقيقة هامشية، وليست من صلب الموضوع، الإنسان إذا أحب الله اطمأنت نفسه، إذا أحب الله والتزم أمر النبي تجلى الله على قلبه، أنزل على قلبه السكينة، هذه السكينة، أو تلك الطمأنينة، هذا التجلي، أو هذه الراحة، أو تلك السعادة سمها ما شئت، أسماء كثيرة لمسمى واحد، إن كنت مع الله اطمأن قلبك، وسكنت أعضاؤك، وارتاحت نفسك، وسعد قلبك.
والحمد الله رب العالمين
منقول عن: خطبة الجمعة – الخطبة 0649 : خ1 – محبة الله ، خ2 – الشدة النفسية .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1998-03-06 | المصدر

الثلاثاء، 30 أغسطس 2016

العبودية سبيل الحرية الحقة #التعريف_بالله


بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة المؤمنون… من معاني العبودية، العبودية الحقة سبيل إلى الحرية الحقة.
إذا عبدت الله وحده فعبادتك لله هي عين حريتك، وسبيل حقيقي إلى سياتدك، لذلك من عبد الله أصبح حراً من رق المخلوقين، من رق الشهوات، من رق النزوات، من رق الحاجات، أصبح حراً،
كن عبد الله فعبد الله حر
الإنسان بحاجه إلى إله يعبده:
أيها الإخوة المؤمنون… في قلب كل إنسان، وهذا جزء من فطرته، حاجة ذاتية إلى إله يعبده، إلى معبود يتعلق به، ويسعى إليه، ويعمل على مرضاته، فإذا لم يكن معبود الإنسان هو الله لابد من أن يتجه إلى معبود آخر، فقد يعبد نفسه، وقد يعبد هواه، وقد يعبد زيداً، وقد يعبد عبيداً، وقد يعبد هذه الشهوة،
في قلب كل إنسان حاجة فطرية ملحة إلى أن تعبد معبوداً، إلى أن تسعى إليه، إلى أن تعمل من أجله، إلى أن تبتغي رضاه، ولا يليق بالإنسان أن يعبد غير الله، لأنه هو الخالق، هو المصور، هو المبدأ هو المعيد، هو الرافع هو الخافض، هو المعطي هو المانع، هو القابض هو الباسط، هو المعز هو المذل، هو الرزاق ذو القوة المتين.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ)
[سورة البقرة 21]
إما أن تعبد الله أو تعبد غيره:
يا أيها الإخوة المؤمنون… إما أن تعبدوا الله وحده وهذا الذي يليق بك، وإما أن تعبد زيد أو عبيد أو شهوة أو حاجة أو شيء من سوى الله عزوجل، إما أن تعبد الله وإما أن تعبد شيئاً يرى أو لا يرى، يعقل أو لا يعقل، موجود أو غير موجود، والديانات الوثنية الأرضية التي تطفح بها البشرية الجاهلة تؤكد هذه الحقيقة، إما أن تعبد الله أو تعبد البقرة، كما هي الحال في بعض بلاد شرقي آسيا، إما أن تعبد الله وإما أن تعبد صنماً، إما أن تعبد الله وإما أن تعبد شهوة، لابد وأن تتجه إلى ما تظنه أنه عظيم، فليكن هذا الذي تتجه إليه هو الله رب العالمين.
يا أيها الإخوة المؤمنون… يقول أحد العلماء:
كل من استكبر عن عبادة الله لابد من أن يعبد غير الله
إما أن تكون عبداً لله، وإما أن تكون عبداً لعبد لئيم، كل من استكبر عن عبادة الله لابد من أن يعبد غير الله، لأن الإنسان له إرادة، وهذه الإرادة تقتضي أن يكون له مراد، ما دام له إرادة فله مراد، فإذا لم يكن الله مراده فلابد من أن يتجه بإرادته إلى مخلوق ليرضيه وليسعى له، وليعمل من أجله.
فيا أيها الإخوة المؤمنون… أنت بين خيار صعب إما أن تعبد الله وإما أن تعبد غيره، أما أن لا تعبد الله ولا تعبد أحداً سواه، هذا مستحيل في فطرة الإنسان، ركبت فطرة الإنسان على التوجه إلى جهة ما على السعي لها على الطواف حولها، على إرضائها، على العمل من أجلها، فطوبى لمن عرف ربه، طوبى لمن عبده، طوبى لمن اطمأنت نفسه بذكر الله
معرفة الله هدف مصيري:
أيها الإخوة المؤمنون… الإسلام دين الفطرة، هذه النفس الإنسانية، لا تستطيع أن تسعد، لا تطمئن، لا تستقر، لا تهدأ، لا تعود إلى الدار الآخرة سالمة إلا إذا عرفت ربها، معرفة الله أيها الإخوة هدف مصيري للإنسان،
ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء
العاقل من عبد الله:
أيها الإخوة المؤمنون… ليس أشرف للإنسان العاقل من أن يعبد الذي خلقه، أيعبد مخلوقاً من دون الله، لا ينفعه ولا يضره، أيعبد جهة من الجهات، لا تملك له نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة، ولا نشوراً، لا تستمع إليه، وإذا استمعت لا تستجيب له، أهذا يليق بالإنسان ؟ ليس أشرف للإنسان العاقل من أن يعبد الذي خلقه، فسواه فعدله، وأن يطرح كل عبادة من سواه، وليس أجلب للسعادة
قال عليه الصلاة والسلام:
تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ
[صحيح البخاري 2673]
ويستنبط من هذا الحديث وسعد عبد الله.
العابد لله حراً من الهموم:
أيها الإخوة، ليس أشرف، وليس أجلب للسعادة، وليس أجلب للسلامة مع الضمير من أن تتوجه الهم كله إلى الله، قال عليه الصلاة والسلام:
مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ آخِرَتِهِ كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ
[ابن ماجه]
وقد قال عليه الصلاة والسلام:
اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها
العابد لله حر من رق المخلوقين:
أيها الإخوة المؤمنون… ربنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم يضرب لنا هذا المثل،
يقول الله عزوجل:
(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً)
[سورة الزمر 29]
لو أن رجلاً يأتمر عليه أناس عدة، هذا يأمره بكذا، وهذا يأمره بكذا، وكثيراً ما تتضارب هذه الأوامر، كثيراً ما تتناقض هذه الأوامر، ماذا يفعل ؟ أيرضي زيداً أم يرضي عبيداً، أيرضي فلاناً أم يرضي علاناً، كيف يفعل إذا جاءت الأوامر متضاربة، والتوجيهات متضاربة، ماذا يفعل ؟ كيف يتجه ؟ إلى أين يسعى، هذه الحيرة، وهذا القلق، وهذا التخبط، وهذا الصراع المؤمن معافى منه، لأنه توه إلى الله وحده، وما سوى الله بيد الله.
(وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ)
[سورة هود 123]
إذاً من أجل أن تكون حراً من رق المخلوقين، من أجل أن تكون حراً من الشهوات المكبلة، من أجل أن تكون حراً من الصراع، من الضيق، من الحرج، من البحث لإرضاء زيد أو عبيد، يجب أن تجعل همك كله أن ترضي الله عزوجل.
(وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ)
[سورة التوبة 62]
يا أيها الإخوة المؤمنون…. الإنسان إذا ترك ربه، إذا أعرض عنه صار موزعاً بين المخلوقين، صار مشتتاً، صار مبعثراً، صار ممزقاً، وقع في الصراع، ولن تستغني عن المخلوقين، إلا في حالة واحدة، إلا إذا اتجهت إلى الله رب العالمين، لن تستغني عن المخلوقين،
احتج إلى الرجل تكن أسيره، واستغني عنه تكن أميره
لن تستطيع أن تستغني عن المخلوقين إلا إذا اتجهت إلى الله رب العالمين، لذلك يقول الله عزوجل على لسان سيدنا داود:
(فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56))
[سورة هود]
في العبادة السعادة:
يا أيها الإخوة المؤمنون… آية في كتاب الله، آية محكمة يقول الله عزوجل:
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56))
[سورة الذاريات]
والعبادة :
طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية
العبودية سبيل إلى الحرية، الحرية مطلب كل إنسان، الحرية مطلب كل مخلوق، ولا تتحقق هذه الحرية إلا بعبادتك لله عزوجل.
والحمد الله رب العالمين
منقول عن: خطبه الجمعة – الخطبة 0265 : خ1 – العبادة7 ( العبودية سبيل إلى الحرية الحقة ) ، خ2 – دعاء الحاج.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1989-07-28 | المصدر

عشرة أشياء تحجب عن الله #التعريف_بالله


بسم الله الرحمن الرحيم
السعادة بالقرب من الله والشقاء في البعد عنه:
أيها الأخوة المؤمنون… من الحقائق المقطوع بها أن كل السعادة في القُرب من الله، وكل الأمن والطمأنينة في طاعته، وكل الرضا بقضائه وقدره مِن خلال مَعْرِفته، وكل التفاؤل في المستقبل مِن خلال تعلُّق الأمل به.
imgالله هو كل شيء، عنده السعادة، وعنده الأمن، وعنده التوفيق، وعنده الرضا، وعنده كل ما تطمح إليه،
وفي البُعد عنه كل الشقاء، وكل الإخفاق، وكل الإحباط، وكل القلق، وكل التشاؤم، حقيقةٌ وحيدةٌ هي الله، كل شيءٍ يقرِّبك مِنه هو تمام العقل، والهدى، والتوفيق، والصواب، والتفوّق، والفوز، والفلاح.
كل شيءٍ يحجبك عنه، هو عين الخطأ، والخلل، والانحراف، والشقاء، والهلاك.
إذاً السعادة في القرب، والشقاء في البعد، السعادة في الطاعة، والشقاء في المعصية، الأمن في الطاعة، والخوف فـي المعصية، التوفيق في الطاعة، والتعسير فـي المعصية، هذه حقيقةٌ مقطوعٌ بها، هذه الحقيقة ينبغي أن تكون أمام عين كل مؤمن،
من ابتغى أمراً بمعصيةٍ كان أبعد مما رجا، وأقرب مما اتقى
فحالة الإنابة إلى الله، حالة الصُلح مع الله، حالة الإحساس بطاعة الله، حالة أن تكون في ظل الله، حالة أن تكون مُخلصاً لله، هذه حالةٌ لا تعدلها حالة، ولا يعلو عليها أيّة حالةٍ يملِكها الإنسان، وحالة البُعد، والمخالفة، والمعصية، والجفوة، والانحراف، هو الشقاء بعينه.
ولا تنسوا أيها الأخوة، أن كل إنسانٍ على وجه الأرض، الآن صار عدد بني البشر ستة آلاف مليون، تأكّدوا أن ستة آلاف مليون جميعاً لهم هدفان أساسيان: السلامة والسعادة. والسلامة والسعادة تتحققان فـي طاعته، وفي الإقبال عليه، وفي القُرب منه، وفي الإنابة إليه، وفـي إقامـة حدوده، وفـي المبادرة إلـى خدمة خَلْقِه، والشقاء، والقلق، والخوف، واليأس، والضجر، والملل، والسأم في البعد عنه.
حالك مع الله:
أيها الأخوة… أنت من خلال التجربة مع الله ألا تعلم ما الذي يبعدك عن الله؟ متى تُحجَب عنه؟ متى تشعر بالجفوة منه؟ متى تشعر أنك قريبٌ منه؟ ألا تشعر؟ إذا كان الإنسان لا يشعر فهذه مشكلة كبيرة جداً، قال العلماء:
المنافق يعيش أربعين سنة بحال واحد، أما المؤمن يتنقّل في اليوم الواحد أربعين حالاً
أليس هناك عمل أبعدك عن الله؟ قمت لتصلي فرأيت الطريق غير سالك؟ أليـس هناك عملٌ قربك إلى الله؟ ماذا تشعر عقب إنفاق المال؟ ماذا تشعر عقب أداء الصلاة المتقنة؟ ماذا تشعر عقب قراءة القرآن؟ ماذا تشعر إذا كنت صادقاً، إذا رحمت إنسـانـاً، إذا أنصفت إنساناً، إذا أمـرت بالمـعروف، إذا نهيت عن المنكر، إذا أكرمت ضيفاً، إذا لبّيت دعوةً، إذا نطقت بالحق؟
فمن اللازم بعد زمن من إلتزامك، أن تشعر أنه صار لديك مقياس حساس: هذا العمل جعلني أقبل، أما هذا العمل فجعلني أحجب عن الله عز وجل.
قال لي أخ: صار عنده إطلاق بصر نوعاً ما في عمله، هذا الإطلاق للبصر حجبه عن الله عز وجل، فلما عاد إلى غض البصر، شعر باتصالٍ بالله عز وجل.
أخوتنا الكرام، أنا أخاطبكم واحداً واحدا: ألم يصبح عندك نوع مـن الميزان، ما الذي يقربك وما الذي يبعدك؟ ما الذي يسعدك وما الذي يحجبك؟
أشياء تحجب عن الله:
1. حجاب فساد العقيده:
أضع بين أيديكم نموذج من هذه العقائد الفاسدة:
إذا اعتقد المرء أن الله عز وجل خلق الإنسان، وكتب عليه الكفر، وأجبره على أن يعصيه، وأماته كافراً، وجعله في جهنم إلى أبد الآبدين، مـن دون سببٍ مَن العَبد، لأن الله عز وجل (كما يتوهَّم) يقول: لا يسأل عـما يـفعل، وعدلـه غير عدلنا، وقبضةٌ إلى الجنة ولا أبالي، وقبضةٌ إلى النار ولا أبالـي، والإنسان حينما يخلق يكتـب أجلـه، ورزقه، وشقيٌ أو سعيد، وانتهى الأمر، ولكـن فيمَ العمــل؟ اعملوا فكلٌ ميسرٌ لما خُلِقَ لـه،
إنسان أمام هذه العقيدة الجَبْريّة، أمام الشعور أن الله عز وجل قدّر على إنسان أن يكون كافراً دون سببٍ منه، وأجبره على أن يشرب الخمر وأن يزني، ثم أماته كافراً، ثم وضعه فـي نارٍ إلى أبد الآبدين، فماذا تفعل؟ مثل هـذه العقيدة تُحجبك عـن الله قطعاً،
أكبر حجابٍ بينك وبين الله أن تسيء الظن به..
(الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ)
[سورة الفتح: من آية: 6]
(يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ)
[سورة آل عمران: من آية: 154]
هذا أكبر حجاب عن الله، لذلك أخطر شيء في حياة المسلم عقيدةٌ فاسدة، تَلَقَّفها دون أن يمحّصها، تلقفها دون أن يدقق فيها، لهذا العلماء قالوا:
لا يمكن أن تقبل العقيدة تقليداً
ولو قُبِلَت العقيدة تقليداً لكـان كل أهل الفرق الضالة معذورون عند الله، لأن العقيدة، لابد أن يكون أساسها صحيحاً سليماً، أمـا أن تقول: يا ربي فلان قال لي كذا فصدقته، لا ثم لا..
قال تعالى:
(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)
[سورة محمد]
لم يقل سبحانه: فقُل. بل قال: فَاعْلَمْ.
أيها الأخوة… أكبر حجابٍ بينك وبين الله سوء الظن به، بل إن أكبر معصيةٍ على الإطلاق تفوق الإثم والعدوان، والفحشاء، والمنكر، والكفر، والشرك، أن تقول على الله ما لا تعلم، بل قال العلماء:
إن العوام لأن يرتكبوا الكبائر أهون مِن أن يقولوا على الله ما لا يعلمون، وإن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم..
قال ابن عمر رضي الله عنه:
دينكَ دينك إنه لحمك ودمك
[من كنز العمال: عن ابن عمر]
هناك قصص لها فعل الكُفر تماماً، هـناك قصص تؤكِّد فحواها أن الله ليس بحكيم، وليس بعادل، أكبر حجابٍ بينك وبين الله أن تسيء الظن به، أكبر حجاب بينك وبين الله أن تظن به ظن الباطل..
(يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ)
[سورة آل عمران: من آية: 154]
هذا أكبر حجاب، لذلك صححوا عقيدتكم، واعلم أن الله عز وجل كامل كمالاً مطلقاً، ولا تَقبل عليه ظلماً،
تجده يقول لك:
(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)
[سورة الشمس]
والله بين تفسيرين ما بين الكفر والإيمان، إذا فهمت أن الله خلق في النفس الفجور، فو الله هذا كفر، أما إذا قلت إن الله فطرها فطرةً تعرف فجورها من تقواها ذاتياً، فهذا كمال، هذا عين الكمال، أعطاك مُشْعِر ذاتي، لا تحتاج إلى مَن يُعَلِّمك، حينما تخطيء تدرك أنـك مخطيء مباشرةً، ذاتياً.
أحياناً يقول لك: المؤمن يدخل الجنة وإن زنا وإن سرق، يفهمها بعض الناس، وإن يزني لا، لكنها: وإن زنا، إذا كان قد زنا في الماضي، في جاهليته وتاب الله عليه، يدخل الجنة، يفهمونها ولو كان زانياً يدخل الجنة، مسافةٌ كبيرة جداً
قال تعالى:
(وَلَا يَزْنُونَ)
[سورة الفرقان: من آية: 68]
فكل ظنٍ سيّءٍ بالله عز وجل، يحجبك عن الله، كل عقيدةٍ فاسدةٍ تحجبك عن الله، كل اتهامٍ لله ضمنيٍ بالظلم أو عدم الحكمة يحجبك عـن الله، حسن الظن بالله ثمن الجنة..
(الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ)
[سورة الفتح: من آية: 6]
2. حجـاب الشرك:
والشرك كما تعلمون، شركٌ جليٌ وشركٌ خَفِيّ، من يعبد إلهاً صنماً هذا شركٌ جليٌ.
فقد كنت في أمريكا، فأخذني صديقٌ لي إلى معبد لإحدى الطوائف، معبد ضخم جداً، يقع في ضاحية من ضواحي لوس أنجلوس، المدخل مخيف، أقواس، وزخـارف رائعة جداً، وفي صدر هذا البناء غرفةٌ فيها صَنَمٌ كبير، مصنوع من البرونز، وقد طُعِّم بالذهب الخالص، وامتلأ صدر هذا الصنم بالألماس، من أرقى أنواع الألماس، فهذا الصنم وحده كَلَّف ملايين مملينة وصنمان آخران، ورأيت واحداً من أتباع هذا الدين، ينبطح على الأرض بكامله، انبطاحاً كاملاً، فهذا هو السجود لهذا الصنم، وقيل لي إن بعضهم مثقفون، ورأيت في مدخل هذا المعبد كسارة لجوز الهند، سألت: لماذا هذه الكسارة؟ قال: هذه لأن الإله يحب جوز الهند، تكسر له حبات جوز الهند، وتقدم له مساءً يأكلها بالليل. هذا الصنم من البرونز يأكل بالليل، هذا اسمه شرك جلي.
أما المليار ومئتا مليون مسلم، قد لا ينجو إلا قلة منهم مِن الشرك الخفي،
قال تعالى:
(وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)
[سورة يوسف]
لمجرد أن تعتمد على إنسان مِن دون الله، لمجرد أن تضع أملك بإنسانٍ مِن دون الله، لمجرد أن تتوهم أن زيداً يرفعك، وعُبيداً يخفضك، وأن فلاناً يرزقك، وأن عِلاناً يحرمك، هذا شرك..
أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً، ولكن شهوةٌ خفية وأعمالٌ لغير الله
هذا حجاب الشرك، فالتوحيد التوحيد..
(فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آَخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ)
[سورة الشعراء]
والشـرك الخفي مخيف، وعقابه أليمٌ وشديد، لأن الله يؤدّب من أشرك به، وقد يُحْبِطُ عمله.
الشرك الخفي. معتمد على إنسان، وقد تعتمد على مالك، ومَن اعتمد على ماله ضَل، وقد تعتمد على خبرتك، وقد تعتمد على ذكائك، وقد تعتمد على أتباعك، وقد تعتمد على نَسَبِك، وقد تعتمد على رصيدك في البنك، كله شركٌ خفي، ينبغي أن تعتمد عـلى الله، وقد تعتمد على إنسانٍ قوي، تظن أنك في مأمنٍ حينما تتصل بـه هاتفياً، هذا أيضاً شرك، المؤمن الصادق لا يعتمد إلا على الله، فـالشرك الخفي، حجابٌ يحجبك عن الله.
المشـرك يمشي في طريق مسدود، لأن هذا الذي أشركته مع الله لا يملك لك نفعاً، ولا ضراً، ولا موتاً، ولا حياةً، ولا نشوراً، ضعيفٌ مثلك.
3. حجاب البِدَعِ القولية:
فهناك أقوال يقولها العامة ما أنزل الله بها من سلطان، ليس لها أصل في الدين..
يقول لك: الله عز وجل يعطي الحلاوة لمن ليس له أضراس. ما هذا الكلام؟ هذه بدعة قولية.
أو يقول: امش بجنازة ولا تمش بجوازة. هذه بدعة قولية ليس لها أصل.
أو يقول: سلامتك يا رأسي. أي عليك أن تنجو بنفسك ولا تعبأ بأحد. ونسوا: ومن لم يحمل همّ المسلمين فليس منهم.
أو يقول لك: الناس ” لا يتشاكلوا “،
الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ ممن لم يخالطهم ولم يصبر على أذاهم
[من الجامع لأحكام القرآن]
أو يقول: أنا حلفت يمين ألا أخدم إنساناً.
ولكن النبي قال:
اصنع المعروف مع أهله ومع غير أهله، فإن أصبت أهله أصبت أهله، وإن لم تصب أهله فأنت أهله
[من الجامع الصغير: عن علي]
آتيكم بأقوال كلها بدع قولية، بدع قولية ما أنزل الله بها من سلطان كلام غير صحيح، كلام غير متوازن..
يقول لك: طاسات معدودة بأماكن محدودة. فهذا الإنسان شارب الخمر ليس له ذنب، مقدر عليه أن يشرب الخمر عدد مـن الطاسات بمكان محدد، هذه كلها بدعٌ قوليةٌ تحجب عن الله عز وجل.
هذا كلام فارغ، البدع القولية تحجب عن الله عز وجل. تجعل الإنسان أنانياً، منافقاً، شديد الخوف، جباناً، هلوعاً، منوعاً، جذوعاً.
أو يقول: خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود. أيْ إياك أن تنفق.
أو يقول: الدراهم مراهم.
فهذا شرك خفي، قالها واحد، فأذاقه الله مصيبة والله تدع الحليم حيران، ولا تحل بالمال، وهـو غني جداً، قال: الدراهم مراهم، ينحل كـل شيء بالدراهم. قعد بالزنزانة ستين يوماً، تفضل حلها بالدراهم، ما دام معك أنت مراهم، هذه كلها بدعٌ قولية تحجب عن الله عز وجل.
4. حجاب البدع العملية:
ليس هناك اتفاق بين الزوجين، نحضر ملح، نذوبه بالماء، ونسكبه بطريقهم.
أو تحضر بقلة، وتسلقها، وتتغسل فيها، فيصبح ود بين الزوجين والله المجتمع ممتلئ بالبدع العملية.
إذا مات أحدهم :راقب، أول خميس، وثاني خميس، وثالـث خميس، والأربعين والسنوية، وثـلاثة سنوات وأخته لابسة أسود، أعمت قلب زوجها، ثلاث سنين تلبس الأسود، هذه كلها بدع، لا يحل لامرأةٍ أن تحد على غير زوجها أكثر من ثلاثة أيام، الزوجة موضوع ثانٍ، فهذه طقوس الحزن.
هذا حال الناس، هذه بدع عملية ما أنزل الله بهـا من سلطان، بالحفلات، بالأعراس، بالمآتم، بالمآسي، بالسفر.
يجب أن يضع حذوة حصان على ظهر السيارة، وإذا وضع حذوة فلا على السيارة من بأس ولو على ركابها يضع مصحف بالسيارة ويسب الدين، ما هذا المصحف الذي تضعه؟ مئات بل ألوف البِدَع العملية تُهَيْمِن على المسلمين، وهي تحجبهم عن الله عز وجل،.
5. حجاب أهل الكبائر الباطنة:
لديهم كبر، هـناك كبائر باطنة غير ظاهرة، الشعور أنك وحدك المُهْتَدي، وأن الله لك وحدك، وأن الجنّة لك وحدك، وأن كل هؤلاء الناس الذين ليسوا عـلى شاكلتك، ضالون، ضائعون، مصيرهم إلى النار، هذه أكبر بدعة باطنة، من الكبائر الباطنة: أن تتوهم أنك وحدك الناجي، وأن تسيء الظن بالناس، وأن تقول: هلك الناس،
من قال هلك الناس فهو أهلكهم
أيْ هو أشدهم هلاكاً، أو هو الذي أهلكهم وهم ليسوا كذلك، فهو أهلكَهم، أو أهلكُهم.
أهل الكبر. وهو في طاعة الله متكَبِّر، حـتى قال الإمام ابن عطاء الله السكندري:
رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً خيرٌ من طاعةٍ أورثت عزاً واستكباراً
 
img

فيه كبر، وفيه عُجب، الكبر على الآخرين، أمـا العُجْب: يتيه بنفسه، فيه رياء، فيه حسد، فيه فخر، و خُيَلاء، و اعتزاز بقيم جاهلية: أنا ابن فلان. خير إن شاء الله.
دخل على النبي رجل أصابته رعدة من شدة هيبته، قال:
هون عليك إنما أنا ابن امرأةٍ من قريش كانت تأكل القديد بمكة
[من الدر المنثور: عن جرير]
ما قال له: أنا هاشمي، من بني عدنان، جدي قصي، قال له:
هون عليك إنما أنا ابن امرأةٍ من قريش كانت تأكل القديد بمكة
لديه خيلاء بالنسب، وخيلاء بالمال، أنا أكثر منك مالاً وأعز نسباً يقول لك: أنا عندي أموال لا تأكلها النيران، وربنا عز وجل له حِكَم كبيرة جداً…
شخص لـه عمل تجاريّ وعمله رائج جداً، طلبات وبيع، وشراء، ملايين بين يديه، جاءه مهندس، مؤمن، شاب منضبط، يخطب ابنته، كَشَّر، وقال له: كم دخلك في الشهر؟! أعطاه رقماً جيداً جداً، قال له: هذا لا يكفي ابنتي يوماً واحداً، فطرده بأن قال له: ليس لك عندنا اليوم نصيب.
والله أحد إخواننا حدثني بقصته وهو قريب له. قال لي: بقدرة قادر توقف عمله، وهو طالب طلبات وعليه التزامات مالية فلكية، وتوقف عمل المعامل، ومُنع من بيع بضاعته، وأفلس. وعاود هذا الخاطب المحاولة مرة أخرى وخطب ابنته، وتزوجها، واشتغل عمه عنده محاسباً، وخلال سنتين، تحوّل من ملايين مملينة بين ديه، ومـِن كِبر فيه إذ رفض خاطب ابنته المؤمن، الطيب، المتواضع المهندس، ثم أصبح يعمل عند صهره محاسباً، فالله كبير.
فهذه عاقبة الكبر، هذا حجاب أهل الكبائر الباطنة، الكبر، العُجب، الرياء، الحسد، الفخر، الخيلاء، التوهّم أنك فوق الناس، الناس كلهم ضائعون، هذا كبر، هذا عجب، هذه كبائر باطنة تحجب عن الله عز وجل، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ مِن كبر.
ذكرت مرة من باب الطرفة: أن الإنسان يأتيه ضيوف أحياناً، يأتيه عشرون رجلاً مثلاً، ولا يوجد عنده شيء لضيافتهم، فوجد في البراد كيلوين من اللبن، فقال لزوجته: ضعي خمسة أمثالهما ماءً وملحاً وضعي ثلجاً ليصبح “عيران”، لكيلوين مـن اللبن أُضيف لهما عشرة كيلو من الماء، هذا شراب لذيذ، والعيران شيء طيّب، هذا من الكيلوين من اللبن لو أصابهما نقطة بترول، نقطة زيت كاز، هل يشربان؟ لا، لكنهما قبلا خمسة أضعافهما ماءً، وكذلك الكبر يفسد العمل، كما يفسد الخل العسل.
فالذي عنده كبائر باطنة، كالكبر، والعجب، والرياء، والحسد، والفخر، والخيلاء، والتوهم أنك على الحق وحدك والناس كلها ضائعة، هذا أيضاً حجابٌ يحجبك عن الله عز وجل.
6. حجاب أهل الكبائر الظاهرة:
أيْ له مخالفات، لكن العجيب أن حجاب أهل الكبائر الظاهرة رقيق، وحجاب أهل الكبائر الباطنة ثخين، أيهما أهون؟ الكبائر الظاهرة أهون، معصية واضحة، يتوب منها الإنسان، أما الكبر جبلّة في النفس، شعور مستمر، أخطر ذنب هو الذنب الذي لا تعرفه ذنباً، أخطر مرض هو المرض الذي ليس له أعراض، أخطر ذنب، هو الذنب الذي لا تشعر به، يتسلل خفية، لذلك الكبائر الباطنة قلّما يتوبُ صاحبها، لأنه يتوهّم أنه على حق، أمـا الكبائر الظاهرة، سُرعان ما يتوب صاحبها، ليست مشكلة، إنسان نبهه بأن فيه كبر فيتوب، حجاب أهل الكبائر الظاهرة. قال: حجابهم أرق من حجاب إخوانهم، من أهل الكبائر الباطنة مع كثرة عبادتهم، عبادة كثيرة جداً وكثيفة جداً، وقوية جداً، مع مكبر باطن، صاحبها أبعد عن الله عـز وجل مِن إنسان عباداته متوسطة، بسيطة، لكن عنده تواضع لله عز وجل.
قال: أهل الكبائر الظاهرة أدنى إلى السلامة مِن أهل الكبائر الباطنة وقلوب أهل الكبائر الظاهرة خيرٌ مِن قلوب أهل الكبائر الباطنة.
على كل حال كبائر، ظاهرة وباطنة، وشرك، وبدع قوليةٌ، وبدعٌ عملية، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالةٍ، وكل ضلالةٍ في النار، أما أن يُحْجَبَ الإنسان عن الله عز وجل للصغائر، فهذا مغبون جداً.
قال له: تحلف يميناً على أنك شهدت شيئاً لم تشهده؟ قال له: أحلف، ولكن أريد خمسة آلاف. قال له: لا بأس، أعطيك خمسة آلاف، جاء للمحكمة فوجد مصحفاً أمام القاضي، قال له: ضع يدك على هذا المصحف. فوقف دقيقة، ثم جاء للموكل قال له: أريد عشرة آلاف، لأنني سأحلف يميناً، على المصحف، هذه أغلى. فالحلف على المصحف كبيرة تحجب الإنسان عن ربه.
7. حجاب أهل الصغائر:
يقول عليه الصلاة والسلام:
إن الـشيطان يئس أن يعبد في أرضـكم ولكن رضي فيما دون ذلك، مما تحقرون من أعمالكم
يصـافح امرأة، ويقول: هل ستأكلني؟ لا ليست ستأكلك، مرة جاءني سؤال من أخت في أمريكا، تقول: لماذا المصافحة حرام؟ قالت: نحن نُحْرَج كثيراً في أعمالنا، قضية عدم المصافحة مشكلة كبيرة في حياتنا، فلماذا هي حرام؟ وماذا ينتج لو أننا صافحنا؟ أجبتها جواباً دعوياً لا جواباً شرعياً، قلت لها:
فيما أعلم أن الملكة ” أليزابث ” لا يمكن أن يصافحها إلا سبعة رجال لنص القانون البريطاني، لأنها ملكة، ولعلو مقامها، لا يمكن أن يصافحها كل الرجال، بـل سبعة رجال محدودون، بحسب النظام والقانون البريطاني، والمرأة المسلمة ملكة، لا يمكن أن يصافحها إلا سبعة رجال بحسب القانون القرآني
أحياناً يأتي القاضي إلى بيت المرأة المسلمة ليستمع إلى شهادتها، المرأة مُعَظَّمة جداً في الإسلام، مكرمة جداً، لكن المسلمين حينما جهلوا حقيقة دينهم ظلموا المرأة، فلما استعملوا الطلاق التَعَسّفي استعمالاً ظالماً، وهدّموا بيوتهم، أو امتنعوا عن تطليقها للإضرار بها، ولهذا الموضوع بحث طويل، أرجو الله سبحانه وتعالى أن يمكنني أن أعالجه في دروسٍ قادمة.
هذه الصغائر حجاب أيضاً لقول النبي عليه الصلاة والسلام:
لاَ صَغِيَرَةَ مَعَ الإِصْرَارِ، وَلاَ كَبِيرَةَ مَعَ الاسْتِغْفَارِ
[من زيادة الجامع الصغير: عن أنس]

img
فأوضح مثل للصغيرة: أنت راكب سيارة، والطريق عريض جداً، عرضه ستين متراً، عن يمينه وادٍ سحيق، وعن يساره وادٍ سحيق، فإذا أنت ركبت مركبة، وثبَّت المقود بانحراف قدره ميلي واحد، ففي النهاية على الوادي، الميلي صغيرة، ولكن لو ثبتها على الوادي، الكبيرة تسعين درجة فجأةً، على الوادي مباشرة.
لاَ صَغِيَرَةَ مَعَ الإِصْرَارِ، وَلاَ كَبِيرَةَ مَعَ الاسْتِغْفَارِ
[من زيادة الجامع الصغير: عن أنس]
لـو أدرت المقود تسعين درجة، ثم انتبهت، فأرجعته فقد أدركت نفسك وأنقذتها من الخطر، الطريق عريض وأدركت السلامة، إذاً حجاب أهل الصغائر.
إن الـشيطان يئس أن يعبد في أرضـكم ولكن رضي فيما دون ذلك، مما تحقرون من أعمالكم
يرونها ذنوباً صغيرة فهم مقيمون عليها،
أن تملأ عينيك من الحرام، وأن تظن هذا من الصغائر، أن تكذب كي تُضْحِك الناس وتظن أن هذا من الصغائر، أن تقلِّد إنساناً في مشيته وفي حركته، أن تقلِّد امرأةٌ امرأةً هذا كله يحجب عن الله قالت له: فلانة قصيرة، قال
يا عائشة لقد قلتِ كلمةً لو مزجت بمياه البحر لأفسدته
فالصغائر تحجب أيضاً.
8. حجاب أهل التوسع في المُباحات:
img
 
من فترة قريبة كنت في تشييع جنازة، وقفت أمام القبر، قلت: سبحان الله، الإنسان منا ليحاسب نفسه هل يحتاج هنا إلى معجونة للقبر أو تحتاج إلى تصليحة فيه، أنت عندك رغبة بالكمال، ولكن ضع في حسابك أن هذا القبر نهاية المصير أرجوكم هل يوجد قبر من نوع خمس نجوم؟ والله ما سمعت بقبر خمس نجوم، ولا أربع ولا ثلاث، ولا نجمان ولا واحد، ولكن هناك نجوم الظهر، يدفن ساعة وجودها. و القبر صندوق العمل.
إذاً عند كثيرين منا حجب وهي التوسع بالمباحات ليس عندنا أية معصية، ولا صغائر، ولا كبائر، لا كبائر باطنة، ولا كبائر ظاهرة، ولا بدع عملية، ولا بدع قولية، ولا شرك، ولا عقيدة زائغة، كله والحمد لله. كامل ولكن توسع بالمباحات، عندما يئس الشيطان من هذا الإنسان أن يحمله على الكفر، وجد عنده إيماناً بالله قوياً، فلما يئس أن يحمله على الشرك ورأى أن توحيده قوي، فلما يئس أن يحمله على الكبائر وجد عنده استقامة، فلما يئس أن يحمله على الصغائر وجد عنده ورعاً، فلما يئس مِنه أن يبتدع رآه من أهل السُنّة، فلما يئس، فلما يئس بقي عنده ورقةٌ رابحة هي: المباحات.
والله أيها الأخوة، أدخل إلى بيوت بحكم التعزية، يكون قريب لأحد إخواننا يقول لك: مات خالي، مات عمي، أذهـب لكي أعزي، أجد بيتاً ثمنه سبعون مليوناً فما فوق، أين صاحبه؟ بقبر صغير.
هنالك شاب عمّر قصر على النمط الصيني كلفه خمسةً وثلاثين مليوناً دولار، وهذا كان في العام أربعة وسبعين، صاحبه توفي في الثانية والأربعين من عمره، وكـان طويل القامة، والقبر كان قصيراً لحكمةٍ أرادها الله، فلما وضع في القبر، لم يسعه القبر، فجاء الحفار ودفعه من صدره، فانثنى وتقوس، صاحب هذا القصر ينام هذه النومة في القبر، هذه حكمة مِن حِكَم الله عز وجل، فالمباحات صار الناس الآن يتوسعون بها كثيراً، وأحسبها من الحجب التي تحجب عن الله تبارك وتعالى.
9. حجاب أهل الغفلة عن استحضار ما خلقوا له وأريد منهم:
فأنت لماذا خلقت في الدنيا؟ خلقت لمعرفة الله، وأنت مخلوق للعمل الصالح، غفل عن سر وجوده وغاية وجوده، هذا حجاب أهل الغفلة.
10. حجاب المجتهدين الذين غفلوا عن مقاصد الدين الكبرى:
إنسان توهم أن الدين كله بهذا الشيء، فاهتم بهذا الشيء، وبالغ به، ونسي بقية فروع الدين، فقد تجد إنساناً يرى أن الدين فقط فقه، لـكن الدين عقيدة، والدين استقامة، والدين عمل صالح، الدين صلة بالله. فهو عنده أن الدين فقه فقط، لا يعرف بالدين إلا الفقه، وإنسان آخر لا يعرف من الدين إلا التجويد، والتجويد ضروري وحق، ولكنه جزء من الدين، وما هو الدين كله، إنسان آخر لا يفهم من الدين إلا الرَد على أهل الكفر، يقول لك: مفكر إسلامي ولكنه لا يصلي. فهم الدين فهماً مشوّهاً، فأخذ جانباً منه وغفل عن بقية الأشياء، هذا أيضاً محجوب.
الخلاصة:
هذه عشرة حُجُب: العقيدة الزائغة، وحجاب الشرك الخفي، وحجاب البِدَع القولية، وحجاب البدع العملية، وحجاب أهل الكبائر الباطنة، وحجاب أهل الكبائر الظاهرة، وحجاب أهل الصغائر، وحجاب أهل التوسُّع في المُباحات، وحجاب أهل الغَفْلَة، وحجاب المجتهدين الذين غفلوا عن مقاصد الدين الكبرى.
هذه عشرة حجب تحجب عن الله عز وجل، والسعادة كل السعادة، والسلامة كل السلامة، والأمن كل الأمن، والفلاح كل الفلاح، والنجاح كل النجاح، والرضا كل الرضا في طاعة الله، والقرب منه، والهلاك والشقاء بالبُعد عنه، ومخالفة أمره، فكل شيء يقرّبك مِن الله ينبغي أن تعتني به، وكل شيء يبعدك عن الله ينبغي أن تبتعد عنه.
والحمد الله رب العالمين
منقول عن: موضوعات إسلامية – موضوعات متفرقة – المحاضرة 029: عشرة أشياء تحجب عن الله تعالى .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2000-02-27 | المصدر