الأربعاء، 7 سبتمبر 2016

الجانب الاقتصادي #النبي_محمد


بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة الكرام، مع موضوع جديد من موضوعات فقه السيرة النبوية، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وهو يؤسس القاعدة الاقتصادية.
المجتمع الإسلامي والمال:
1. الإسلام مجتمعُ الحياة:
بالمناسبة، الإسلام هو الحياة، وأي مجتمع إسلامي لا يهتم بالعلم، ولا يهتم بالاقتصاد مجتمع ضعيف مغلوب على أمره، وما تفوق النبي عليه الصلاة والسلام في دعوته إلا لأنه رأى الإنسان كائناً فيه عقل يدرك، جعل العلم غذاء للعقل، وفيه قلب يحب، جعل محبة الله والعمل للجنة غذاء للقلب، ثم رأى في الإنسان جسماً يحتاج إلى طعام وشراب، فأرسى مبادئ الاقتصاد، فالإسلام هو الحياة.
وكما أن الأمة تبجل وتعظم، من يلوذ في سبيل الله، لكنها في أمسّ الحاجة إلى إنسان يعيش في سبيل الله.
2. المشكلة الاقتصادية في توزيع الثروات:
لذلك المشكلة أن الاقتصاد لم يكن نتاجاً ناقصاً ضعيفاً، بقدر ما كان علاقات سيئة، هذا كلام دقيق، المشكلة الاقتصادية ليست بحجم الموالي، ليست في حجم الثروات، المشكلة في طريقة توزيع هذه الثروات، الآن الأرض 10% من سكان الأرض يملكون 90% من ثرواتها، والـ90% لا يملكون 10%، فالمشكلة هنا في المواد؟ أم في طريقة التوزيع؟ ماذا أراد الله من هذا المال أن يكون؟ أراده متداولاً بين كل الناس،
قال الله تعالى في القرآن الكريم متحدثاً عن المال:
(كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً)
أي متداولاً:
(بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ)
[سورة الحشر الآية: 7]
إذا تداول الأغنياءُ المالَ فهناك مشكلة كبيرة، بينما الخط العريض في المجتمع يتأثر بارتفاع الأسعار تأثراً كبيراً، لأن ارتفاع الأسعار يضعف قوة دخله الشرائية.
3. مقياسُ نجاح المجتمع اقتصاديا عدمُ اتِّساع الهوة بين الفقراء والأغنياء:
فلذلك البطولة لا أن يتبادل الأغنياء فيما بينهم السلع، هذه حالة مرَضية، البطولة أن يوزَّع هذا المال، وأن توزَّع هذه المنافع والثروات بين أكبر شريحة في المجتمع، ومقياس تقدم المجتمع أن الهوة ليست واسعة بين الأغنياء والفقراء، ولا بين الأقوياء والضعفاء، وكلما اتسعت هذه الهوة كان التخلف أشد، وكلما ضاقت هذه الهوة كانت التحضر أشد.
لذلك القرآن أثبت هذه القاعدة فقال:
(كَيْ لَا يَكُونَ)
أي المال،
(دُولَةً)
أي متداولاً،
(بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ)
إذاً: هناك مشكلة يعاني منها المجتمع الجاهلي، ألا وهي: أن المواد الاقتصادية الثروات، السلع، المواد الغذائية، بصرف النظر عن كميتها، وعن حجمها، المشكلة فيها أن تداولها ليس صحيحاً بل مرضياً.
لذلك اهتم النبي عليه الصلاة والسلام اهتماماً لا حدود له بتشكيل قاعدة اقتصادية، وتنظيم نظام اقتصادي متوازن سوي.
لمحةُ عن حال أهل المدينة الاقتصادي:
لماحات عن حالة أهل المدينة قبل مجيء رسول الله عليه الصلاة والسلام:
1. حال الناس من حيث النشاط الاقتصادي:
كان عامة الناس ما بين مزارع، وراعٍ للشياه والإبل، وصيّاد، وصانع ، وجامع للحطب، هكذا كان وضع الاقتصاد قبل مجيء رسول الله.
2. اليهود كانوا يتحكّمون في الاقتصاد:
كان اليهود يسطرون على موارد التجارة، ويتعاملون بالربا، ويتحكمون بالأسعار، هؤلاء الذين يتعاملون في الاقتصاد لا تحكمهم قيم أخلاقية، ولا شريعة دينية، إنما يسود بينهم الاستغلال، والسيطرة، والغش، والفساد، والظلم، ومع توارث الأساليب القديمة التي وجودوها في مجتمعهم.
3. حاجةُ المدينة إلى الموارد الاقتصادية المادية والبشرية وحسن توزيعها:
وكانت المهمة النبوية شاقة جداً لأن اقتصاد المدينة بحاجة إلى أمرين معاً،
الأول: النهوض بالموارد:
معنى موارد ؛ البترول مورد، الضرائب مورد، رسوم العبور مورد أرباح الصناعة مورد، أرباح التجارة مورد، أرباح الخدمات مورد، وعندنا شيء اسمه الموارد الاقتصادية، ويقع على رأس هذا المورد الإنسان، الإنسان أكبر مورد اقتصادي.
عندك محل، ورأس مال، وملايين مملينة، لكن ليس هناك خبير، المال تخسره، أما الخبير فيشتري البضائع، ويبيعها، ويربح.
إذاً: في عالم الاقتصاد يعدُّ الإنسان أكبر مورد بشري، لذلك الكثافة السكانية ليست ورقةً خاسرة في الاقتصاد، بل هي ورقة رابحة، والآن أشد البلاد غنىً أكثرها كثافة، اليابان مثلاً مورد من ثروات الأرض، لا بترول، ولا معادن، وفيها أكبر كثافة سكانية، وهي الآن من أغنى دول العالم، والدخل للمواطن فلكي، الصين مليار ونصف، تكاد الآن تلتهم اقتصاد العالم، وفيها كثافة سكانية عالية جداً، تايوان، الهند، لذلك أكبر مورد اقتصادي هو الإنسان.
بالمناسبة، الهند حققت أرباحًا قبل عامين بـ 83 مليار دولار من البرمجيات، كمبيوتر، تصميم برامج، وبيعها للعالم الغربي.
لذلك أقول لكم بدقة بالغة: هناك فقر الكسل، وهذه الطامة الكبرى، فقر كسل عدم إتقان للعمل، عدم المثابرة على العمل، عدم تطوير العمل، عدم إنجاز العمل، تسويف إرجاء، تأخير، عدم إتقان، هذا فقر الكسل، وفي الاقتصاد معايير دولية، يقسمون الدخل القومي على عدد السكان، على أيام السنة، الناتج كم يعمل الإنسان في هذا البلد، في بلاد متقدمة الإنسان يعمل في اليوم 8 ساعات، في بلاد أخرى 6 ساعات، وفي البلاد المتخلفة الإنسان يعمل 27 دقيقة، وفي بلد آخر يعمل 17 دقيقة، وفي بلد آخر يعمل 29 ثانية.
اسمعوا هذا الكلام الدقيق: أمة يعمل أفرادها 17 دقيقة في اليوم لا يمكن أن تنتصر على أمة يعمل أفرادها 8 ساعات.
الثاني: التوزيع العادل للناتج:
وأمام مشروع آخر حسن توزيع الناتج على الإنسان،
رفع وحسن توزيع الناتج.
شيء مألوف جداً أن الاقتصاد وقتها كان يشمل الزراعة، والصناعة، والتجارة والصيد، والثروة الحيوانية، والنباتية، والماء، والري، والثروات الباطنية، وطرق النقل، ووسائل النقل، والرسوم الجمركية، والنقد، وضوابط هذا كله، وعائدات العاملين فيه ، ونصيب الإدارة والدولة، هذا الوضع في المدينة قبل أن يأتي النبي، موارد ضعيفة، سوء توزيع للدولة.
هناك طرفة: كان بعض الفلاسفة البريطانيين صاحب دعابة، فكان له لحية كثيفة جداً، أما رأسه ما فلا شعر فيه، فلما سئل قال: وفرة في الإنتاج، وسوء في التوزيع.
أحياناً يكون النقص في الإنتاج، وفوق هذا النقص سوء في التوزيع، لذلك واجه النبي هذه المشكلة، نقص في الإنتاج، وسوء في التوزيع، اليهود مسيطرون، الأسعار بيدهم، الربا بيدهم، الموارد بيديهم.
الضوابط التي أقرها النبي لمعالجة الاقتصاد:
الآن ما هي الضوابط التي أقرها النبي عليه الصلاة والسلام معالجة الاقتصاد؟ وأقول لكم هذه الكلمة: أية أمة ما لم تعالج مشكلاتها الاقتصادية هي أمة سوف تدمر،
الإمام علياً كرم الله وجهه أدرك قبل 1400 عام أن الفقر علة العلل، فقال:
كاد الفقر أن يكون كفراً
وأنا اقتبس من هذه الكلمة كلمات، فأقول:
وكاد الفقر أن يكون إرهاباً، وكاد الفقر أن يكون اختلاساً، وكاد الفقر أن يكون تخريباً
تجد أي حركة من الجياع ينهبون، ويحرقون، ويدمرون، لأنه ليس عندهم شيء يخسرونه، وهم ناقمون.
لذلك البطولة في تنمية الموارد، وحسن توزيعها وهذا ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام.
1. الاقتصاد عبادةٌ تعاملية:
من القواعد الاقتصادية التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام أن الاقتصاد هو جزء من الدين، وألصق شيء بك العبادة التعاملية، ألا تكذب، ألا تغش، ألا تدلس، ألا ترفع السعر، ألا تستغل، ألا ترابي، ألا تحتكر، ألا تزين السلعة بما ليس فيها، أكثر من مئة معصية بالبيع والشراء.
الاقتصاد من الدين، وتنظيم العلاقة بين المسلمين الاقتصادية من الدين، والتعليم من الدين، وإصلاح الشؤون الحياتية من الدين، وتأمين حاجات الإنسان من الدين.
أنا لا أصدق أن الدين فُهم فهماً كهنوتياً، ولم يفهم فهماً حياتياً، هذا سيد الخلق وحبيب الحق، هذا الإنسان الأول فهم الدين عملاً وتعاوناً،
أن يرى شاباً يتعبد ربه وقت العمل، فيسأله النبي عليه الصلاة والسلام: من يطعمك؟ قال: أخي، قال:
أخوك أعبد منك
أمسك بيد أحد أصحابه، وكانت خشنة من العمل، رفعها وقال لأصحابه:
هذه اليد يحبها الله ورسوله
رأى النبي وكان مع أصحابه شاباً ينطلق من بيته إلى عمله فقال بعض أصحابه: لو كان هذا في سبيل الله، فقال:
من سعى على أهله فهو في سبيل الله، من سعى على أولاده فهو في سبيل الله
[ورد في الأثر]
النبي الكريم أعطى الدين مفهوما واسعا جداً، وأنت في دكانك تبيع الناس بالصدق والأمانة، تعطيهم سلعة جيدة، بسعر معتدل، أنت في عبادة.
وأنت في عيادتك تعالج المرضى بإخلاص وإتقان، واعتدال في الأجر، فأنت في عبادة.
وأنت في حقلك تسهم في تخفيف المتاعب عن الأمة، تقدم لهم الإنتاج الزراعي بشكل جيد، دون أن يؤذيهم بمواد مضرة بالصحة، فأنت في عبادة.
حينما تفهم الإسلام هو الحياة ترى أن الاقتصاد جزء من الدين، وحينما انفصلت الحياة عند المسلمين عن الدين فصار الدين عبادات فقط، والحياة لها مجال آخر، والمسلمون ابتعدوا عن هذا الفهم الصحيح فضعفوا، ولما ضعفوا تسلط عليهم الأعداء.
النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى
[البخاري عن حكيم بن حزام]
يجب أن أؤكد لكم الحقيقة: الاقتصاد من الدين، أن تفتح محلاً تجارياً، تكسب المال الحلال، تدفع زكاة مالك، تعين الفقراء والمساكين، تربي أولادك، تقدم لهم حاجتهم ،
لأنه كما قال بعض أصحاب رسول الله:
حبذا المال أصون به عرضي، وأتقرب به إلى ربي
فالعمل جزء من الدين، ويمكن أن يكون عملك كذلك فقط إذا كان في الأصل مشروعاً، وسلكت به الطرق المشروعة، وخدمت الناس، ولم تكذب عليهم، ولم تغشهم، ولم تسوف، ولم تماطل، وأتقنت عملك، يمكن أن يكون عملك سبباً كافياً لدخول الجنة.
وكلما تقدم المسلمون، وقوي المسلمون، واكتفى المسلمون قوي الإسلام، أما كان المسلمون ضعفاء، يستوردون كل شيء، ولا يصنعون شيئاً، ولا يصدرون شيئاً، وهم تحت رحمة الدول القوية والغنية، أكلهم يستورد، وثيابهم تستورد، وأدواتهم تستورد، ولا يبيعونهم السلاح، هم إذاً تحت حكم أعداءهم، أليس كذلك؟.
لذلك سيدنا عمر مر ببلدة فوجئ معظم الفعاليات الاقتصادية فيها من غير المسلمين، عنفهم، بل وبّخهم، فقالوا كما يقول الأغنياء الكسالى: إن الله سخرهم لنا، والله قال قولة لا أرتوي من تكرارها، قال لهم:
كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم؟
لأن القوي هو المنتج، والمستهلك ضعيف.
أنت تشتري سيارة، يتعطل فيها شيء، يقول لك: ثمنه ألف ليرة، حاضر ، خمسة آلاف، حاضر، عشرة آلاف، حاضر، أربعون ألفا، حاضر، 150 ألف، حاضر، هذا اسمه عقد إذعان، باعوا لنا طائرة تعمير المحرك خمسة ملايين دولار، أربع محركات بعشرين مليونا، مليار ليرة، كم طنا من القمح هذه؟ أو من القطن، كم إرسالية ملابس تصدير، لما ملكوا العلم ملكونا، لا تستطيع، أنا أتكلم من واقع، المسلم يعيش سبهللا، كله شغل سيدك، ماذا نريد، هذه هي الدنيا كلها؟ نحن أملنا بالآخرة، لا الدنيا ولا الآخرة لك، يجب أن تعمل، أن تكون قويا، أول طبيب، أول مدرس، أول محام، أو مهندس، أول تاجر، أول صانع، تجد إخواننا صناعيين، عنده ألف عامل، فتح ألف بيت، لا تكن خمولا، ما هذا الموقف الانهزامي؟! اعمل، خذ شهادة عليا، خذ الدكتوراه، افتح محلا، أتقن عملك، طور صناعتك، إن لم نفعل هذا فمصيرنا ليس بأيدينا، هذه كلمة دقيقة جداً، يجب أن تكون من النخبة، طالب؟ الأول، طبيب؟ الأول، ولا أكتمكم مهما ضاقت الأمور، مهما كسدت الأسواق، مهما انتشت البطالة، المتقن دخله كبير بأي وقت، وبأي مكان، وبأي زمان، المتقن، المتقن لا يتوقف عن العمل، يكون مئة إنسان يحترف حرفة، أحيانا يحدث كساد، تسعون بالمئة لا عمل لهم، أما العشرة المتقنون فمحجوزون لستة أشهر قادمة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه
[رواه البيهقي عن عائشة]
2. الحلال والحرام وفق التشريع الإسلامي:
اعمل بالحلال، الحرام اركله بقدمك، الحرام قل له: الله الغني، الحرام لو كان بالملايين، اركله بقدمك، وخمسة آلاف ليرة بالشهر من حلال يبارك الله لك بها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
طلب الحلال فريضة بعد الفريضة
[رواه الطبراني عن ابن مسعود]
بالدراسة الأول، محلك التجاري نظيف مرتب، المواد درجة أولى، سعر معتدل واصل للبيت، دوام محدد، تجد تألقت.
صدقوا أيها الإخوة بعضكم شباب، بأي وضع، بأي ظرف، إن أتقنت العمل تفوقت، وربحت.
أحياناً نجد شركة أتقنت جداً أول فرع، ثاني فرع، ثالث فرع، رابع فرع خامس فرع، لماذا؟ فيها إتقان، دائماً وأبداً المتقن دخله كبير جداً.
لي طلاب أطباء، قلت لهم مرة، طبعاً الطبيب وغير الطبيب، لكن الطبيب بالذات: ضع المال تحت قدمك تربحه، اجعله هدفك تخسره، همتك أن تُعالج هذا الإنسان، ولا تعبأ بالمال، يتألق نجمك، ويتهافت الناس عليك، فتغدو غنياً، أما إذا ابتززت أموالهم، ولم تنصحهم في معالجتهم، واكتشفوا كذلك انصرفوا عنك.
في شيء دقيق: اجعل همك خدمة الناس، اجعل همك أن تقدم شيئاً ثميناً.
دققوا في كلام النبي، نحن أحياناً ننسى أن هذا الكلام كلام مقدس لكن لا نطبقه لمَ يقول عليه الصلاة والسلام:
المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ
[رواه مسلم عن أبي هُريرة رضي اللّه عنه]
قوي بالمال، قوي بالعلم، متفوق، قوي احتل مركز قوي، بتوقيع يحل مشكلة.
لذلك الحلال والحرام من شأن الله وحده، لذلك الحرام مهما يكن بحجم كبير فاركله بقدمك، والحلال تشبث به.
سيدنا الصديق يوم تولى الخلافة، حمل القماش على كتفه ليكسب رزق يومه من البيع والشراء، حتى منعه الصحابة الكرام من ذلك، وأعطوه حاجته.
والله مرة أحد إخواننا طالب طب في الصف الثالث، يقول: لي إن أخاه ينفق عليه، أخوه يعمل في صنع الثريات، يعمل، وينفق على أمه وأخيه الصغير، وعلى أخيه الطبيب في الجامعة، أقسم لكم بالله شعرت أن هذا الذي يعمل في الثريات، ولا يضع جانب اسمه د. دكتور، عامل ثريات، لكنه ينفق على أمه وأخيه الصغير، ويغطي نفقات أخيه الطبيب بالجامعة، قلت له: أخوك قلامة ظفره تساوي مئة واحد.
قال له: من يطعمك؟ قال له: أخي، قال له:
أخوك اعبد منك
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من جلس إلى غني وتضعضع له ذهب ثلثا دينه
[ورد بالأثر]
يعني تمسكن،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس ؛ فإن الأمور تجري بالمقادير
[أخرجه ابن عساكر عن عبد الله بن بسر]
لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، المؤمن عزيز، والعمل شرف للإنسان.
لا تفهم الدين فهما كهنوتيا، افهمه فهما واقعيا، فهما حياتيا، الدين هو الحياة، لذلك أنا أتمنى يكون المهندس داعية، والطبيب داعية، والمعلوماتي داعية، أتمنى يكون لك حرفة متقنة تتفوق بها، وتكون داعية، أما أن تتفرغ للدعوة، ولا معك قرش، لا تتقن صنعة، ولا عملا، ولا أحد يعطيك، تريد أن تحترم الغني زيادة، فتبذل ماء وجهك أمامه، كلما رأيت قويا تنبطح أمامه، لا، اعمل، ارفع رأسك.
فالبطولة أن النبي عليه الصلاة والسلام قرر أن العمل الاقتصادي جزء لا يتجزأ من الدين.
أنت تبيع الزيت، فتحت المحل صباحاً، فإذا في علبة الزيت فأرة، ولا أحد يستطيع أن يكشف الغلطة، ماذا يعني أن الاقتصاد دين؟ أن هذه العلبة ينبغي أن تبيعها لمعمل الصابون، وألا تبيعها للناس، فإذا بعتها للناس خنت الأمانة، وألغيت عباداتك، إن هذا العلم دين، وإن الاقتصاد دين.
أنواع الغش لا تعد ولا تحصى، قد تشتري بضاعة من بلد متخلف صناعياً، تضع عليها إشارة إلى أنها مصنعة في أرقى بلد صناعي، تأخذ السعر مضاعفًا، وأنت بهذا كاذب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك به مصدق، وأنت له به كاذب
[رواه البخاري، وأبو داود عن سفيان بن أسيد]
إذاً: العمل الاقتصادي جزء لا يتجزأ من الدين.
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم:
من غش فليس منا
[أخرجه الترمذي عن أبي هريرة ]
والأمثلة لا تعد وتحصى.
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم:
يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة
[رواه الطبراني عن ابن عباس]
أن يكون طعاماً طيباً؟ كل طعاماً اشتريته بمال حلال، أي كسبته بتجارة ليس فيها غش، ولا كذب، ولا احتيال، ولا احتكار، ولا تدليس، ولا إيهام، إذاً: العمل المشروع دخله مشروع، إن اشتريت به طعاماً فالطعام طيب.
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم:
إنّ الله طَيّبٌ، ولاَ يَقْبَلُ إلاّ طَيّباً
[رواه فُضَيْلُ بنُ مَرْزُوقٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ]
وهذا الحديث بالاقتصاد يعد من جوامع الأحاديث:
يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة
أنت موظف، والمواطنون في أشد الحاجة إليك، وعلى الكوة مئات المواطنين، فتجلس، وتدير حديث مع صديقك، والناس فوق بعضهم بعضاً، ولا يعنيك من أمرهم شيئاً، أنت بهذا خنت الأمانة.
يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة
لأن هذا الراتب الذي تأخذه على هذا الدوام المتقطع جزء منه حرام، فإذا اشتريت منه طعاماً فالطعام غير طيب، لأن فيه جزءاً حراماً، لو عرف الناس هذا الحديث لكنا في حال غير هذا الحال.
الاقتصاد دين، وأي عمل اقتصادي يعد جزاءاً من الدين.
مثلاً: عندك مدجنة، وجدت عشر فراخ ميتة، أنت تسلم مذبوحًا، تقدر بكل بساطة، تذبح الميت، وتضعه مع المجموع يمرق، يأتي فروج مشوي، يأكل المسلم لحمًا ميتًا، أنت خرجت من دينك، أنت خنت الأمانة، أصبح ربحك حراماً، وطعامك خبيثاً، ودعاءك غير مستجاب.
الآن الضوابط الحلال والحرام وفق التشريع الإلهي يحدد ذلك، لذلك طلب الفقه حتم واجب على كل مسلم، أن تعرف الحلال والحرام جزء لا يتجزأ من دينك.
يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة
طلب الفقه حتم واجب على كل مسلم، طلب الفقه فريضة بعد الفريضة، لا بد من أن تسأل ما حكم هذا البيع.
ببساطة يقول لك أخ: أنا مضطر لشراء بيت، معي نصف ثمنه، فهل تساعدي بالنصف الآخر على أن أجعل البيت ذا أجرة لك؟
بيت مثلاً أجرته عشرة آلاف بالشهر، نصفه لك، أنا أعطيك خمسة آلاف، لكن صاحب هذا المبلغ لما أراد أن يسترد مبلغه يأخذه بالتمام والكمال، مادام لم يقيّم البيت تقييمًا جديدًا، وأخذ الذي دفع المبلغ بالتمام والكمال، فهذه الأجرة ليست أجرة، ولكنها فائدة وهذا حرام.
من دخل السوق من دون فقه أكل الحرام شاء أم أبى، أما إذا قيم البيت تقييمًا جديدًا، وسعره ارتفع أو انخفض، ونال نصف ثمنه على التقييم بالأجرة فهذا حلال.
3. الاستثمار فريضة:
والاستثمار فريضة ألزم الله فيها عباده، لماذا فرض الله الزكاة على المسلم؟ قد تجيبني بألف جواب، لكن هناك جواب قد لا يخطر في بالك، هو أرقى جواب، أن هذا المال إن لم تستثمره تأكله الزكاة، فإن الشرع أراد أن تستثمره لئلا تأكله الزكاة.
لذلك ورد في بعض الأحاديث:
اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة
[أخرجه الطبراني في الأوسط عن أنس]
إذاً، معك مبلغ من المال، اعمل مشروعًا، ائتِ بإنسان معه خبرة بلا مال، أنت معك مال بلا خبرة، وتعاونا على المشروع، والربح بينكما، هذه المضاربة، وكان عليه الصلاة والسلام أول مضارب في الإسلام، أخذ مال خديجة، واتجر به، وكان الربح بينهما.
الاستثمار فريضة ألزم الله فيها عباده لتحقيق حاجاتهم، وهو الذي سخر لعباده ما في البر والبحر، ما الحكمة أنه إذا معك مليون ليرة وزكاتها 25 ألفا؟ أربع سنوات مئة ألف، عشرة أضعاف، في أربعين سنة انتهى، إذا كنزت مليون ليرة تنتهي في أربعين سنة تأكلها الزكاة، الحكمة من فريضة الزكاة على المال المخزن أنك إذا خزنته فقدته، يجب أن تستثمره.
مثلاً: سكن رجل في بيت، بيت والده، والده اشترى بيتا من قديم الزمان بمبلغ صغير، الآن ثمنه 30 مليونا، يبقى فيه؟ 30 مليون تحل مئة مشكلة، خذ بيتا بخمسة ملايين، واعمل شركة، ووظف ناسا، واربح، واشترِ بيت ثانيا، تجد التصرف عجيبا، سكونيا، على القديم، غيّر، طوّر، إلى أن تشعر أنك قدمت شيئًا.
أريد منكم هذا السؤال، من حين لآخر اسأل نفسك هذا السؤال، ماذا قدمت لهذه الأمة؟ هل حملت همّ هذه الأمة؟ هل أسهمت في تخفيف آلام هذه الأمة؟ أحياناً تنشئ مزرعة تفاح، ينزل التفاح إلى السوق بسعر مقبول، أمّنت فاكهة جيدة، بسعر أقل، نوعية جيدة، ما مِن إنسان يعمل إلا ويقدم للمجتمع خير، أما الذي لا يعمل فهو عبئ على الآخرين.
4. مبدأ المنافع المتبادلة:
تحقيق العدالة في التجارة ينطلق من مبدأ، أن تكون المنافع متبادلة، أنت عندك دكان، نزلت فجراً إلى سوق الخضار، جئت بخضار وفواكه وحاجات، جارك استيقظ السابعة والنصف، جاء إليك، وأخذ حاجاته، بسعر أعلى من ثمن شرائك، نظير ذهابه باكراً، ودفع المال، وحمل البضاعة، وأتى بها، أنت وجدتها إلى جانب بيتك، هو انتفع ربح، وأنت انتفعت، ووفرت وقتك وجهدك، هذه منفعة متبادلة.
لذلك الذي يضبط الحلال أن المنافع فيه متبادلة، والذي يضبط الحرام أن منتفعة بنيت على مضرة، أوضح شيء السرقة، السارق انتفع بالمال، أما الذي أُخذ المال منه أصابه ضرر كبير، انتفع واحد، وتضرر الثاني، إذاً: الدخل حرام.
أن المكاسب المحرمة أساسها منفعة بنيت على مضرة وأن المكاسب المحللة الأصل فيها منفعة متبادلة، إنسان في معه مال، لكن لا يحسن استثماره، موظف، أو متقاعد، أو شاب ناشئ ورث عن أهله مالاً، وهناك إنسان معه خبرة ولا مال معه، عنده خبرة عالية جداً، لكن بغير مال، لو تعاون صاحب المال مع صاحب الخبرة على ربح بينهما، واحد قدم لك خمسة ملايين، وأنت أسّستَ محلا تجاريا، أنت مهندس زراعي، بعت مواد زراعية، أنت خبير، معك شهادة، لذلك المضاربة، والمتاجرة، والاستثمار من أحلّ الدخول، لأنه في الأصل منفعة متبادلة، أما الكسب الحرام فمنفعة بنيت على مضرة، أنت احتكرت مادة ضاعفت سعرها أربعة أضعاف، ولا إنسان يحاسبك، الآن في بعض الأدوية الزراعية دواء منتشر بالبلد، وكيله واحد، لا يمكن أن يعطي الوكالة لأحد، يتفق مع الشركة، يقول لك اللتر بـ500 ليرة، 700 ـ 700، 1000 ـ 1000، نقدي محتكر.
لذلك يجب أن لا يسمح لاختراع أن يُحتكر من جهة واحدة، الاختراع يجب أن يُباع إلى شركتين، حتى يتنافسوا، والتنافس لصالح من؟ لصالح المستهلك.
لذلك مجتمع التنافس رائع جداً، مجتمع الاحتكار قاسٍ جداً، نحن بعقلية مهترئة سقيمة نحب اقتصاد الاحتكار، يقول لك: هذه محصورة فيّ، هذه الشركة لي، لا، الاحتكار قد يسبب أرباح فلكية لفئة قليلة على حساب الكثرة الكثيرة.
لذلك الإسلام حقق العدالة في توزيع الثروة، وتحقيق التعامل والتكافل بين أفراد المتجمع الواحد، ومع المنافسة لصالح من؟ المستهلك، هذا علبة الصابون معها عرض، معها علبة صغيرة، هذه البضاعة معها عرض ثان، لما يكون التنافس من يقطف ثمار هذا التنافس؟ المستهلك، إذا كان الاحتكار يصبح المستهلك مستهلكاً، يستهلك المستهلك فالمحتكر ملعون، والمحتكر خاطئ.
من ملامح الاقتصاد تحقيق العدالة، وتوزيع الثروة، وتحقيق التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع الواحد.
5. حقُّ المنافسة:
شيء آخر يتصل بالاقتصاد الحر: حق المنافسة بين الناس في الكسب، وفي الملكية، سلعة مستواها عالٍ جداً أرفع سعرها، والإنسان مخير في سلع رخيصة وسلع غالية، الرخيصة غير متقنة، والغالية متقنة، أنا أنوع بالأساليب، البضاعة تصل إلى البيت، خدمات في الليل، عبر الهاتف، في خدمات أؤديها، أتنافس، والتنافس مشروع ، ومن حق المستهلكين التنافس.
إذاً: من مبادئ الاقتصاد التي أرساها النبي عليه الصلاة والسلام حق المنافسة بين الناس في الكسب والملكية، ولكن ضمن شروط الحلال والحرام، وضمن قواعد الأهداف العامة للمجتمع.
أيها الإخوة، وأقول لكم هذه الكلمة:أعوذ بالله من فقر الكسل، هناك فقر القدر صاحبه معذور، وفقر الإنفاق صاحبه مشكور، سيدنا الصديق افتقر فقر إنفاق، قال له: يا أبا بكر، ماذا أبقيت لنفسك؟ قال: الله ورسوله ، هذا فقر إنفاق، هناك فقر قدر، لعاهة تمنعه أن يكسب المال، لكن وصمة العار هي فقر الكسل، وعدم الإتقان، وعدم الدوام، والإرجاء، والتأجيل، وعدم الاهتمام، كل هذا يؤدي إلى انصراف الناس عن هذا المحل.
أحيانا ترى محلا في طريق السفر، الغلة اليومية خمسة ملايين، وإلى جانبه مطعم ولا زبون فيه، هنا إتقان.
(وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)
[سورة المطففين]
6. الصدق وعدم الغشِّ والاحتيالِ والابتزازِ:
ليس في النظام الاقتصادي الإسلامي كذب وغش واحتيال.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يطروا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا، وإذا كان لهم لم يعسروا
[ورد في الأثر]
لما تكسب مالك الحلال من طريق مشروع يمكن أن يكون النفع لكل الناس، لا احتكار، ولا غش، ولا تدلس، ولا إيهام، ولا غبن، إذا ألغيت معاصي البيع والشراء تهبط الأسعار، الأسعار يحددها قانون العرض والطلب، لمجرد أن تلغى المعاصي يكون السعر الطبيعي المقبول، وهذا شأن اقتصاد السوق أحياناً، البضاعة موجودة بحسب الطلب عليها، ما دامت موجودة فسعرها معتدل، أما حينما تُحتكر تُسحب من الأسواق يشتد الطلب عليها فيتضاعف السعر، هذا مال حرام، واحتكار، والمحتكر خاطئ.
فنحن اقتصادنا فيه ممنوعات، لو ابتعدنا عن هذه الممنوعات يكون العرض والطلب وحده كافياً لاستقرار الأسعار ولاعتدالها، ولهبوطها.
الجوانب الاقتصاديه التي نماها النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة:
يجب أن نعلم علم اليقين أن الإسلام هو الحياة، بمعنى أنه لا بد أن نعمل لآخرتنا، وأن نصلح دنيانا.
أولاً: الزراعة:
1. الحضُّ وتشجيع الزراعة:
فلذلك في شأن الزراعة يقول عليه الصلاة والسلام ـ دققوا ـ يوم القيامة، حيث انتهى كل شيء،
إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ
[رواه أحمد في المسند]
ينبغي أن تعمل إلى آخر وقت في حياتك.
قد يبدو هذا المثل غريباً:
إن الإنسان أحياناً يعمل عملا يقطف ثماره بعد ساعة، أما أن يغرس فسيلة فإنها تحتاج إلى أن تثمر عشر سنوات، والساعة قامت، هذا منتهى التوجيه الحكيم، كيف أن هذه الفسيلة لن تقطف ثمارها قبل عشر سنوات، أو قبل خمس سنوات، أو قبل عشرين سنة أحياناً،
قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ
القول الشهير: ويل لأمة تأكل مالا تزرع، إن أكلت ما لا تزرع فهي تحت رحمة أعدائها، في أية لحظة ينهون حياتها، لذلك
المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ
[رواه مسلم عن أبي هريرة]
ومن القوة تحسينُ الإنتاج.
مرة سألت إنسانا يزرع الخضار في ارضٍ محمية، فهذا البيت البلاستيكي مساحته نصف دنم، سألته: لو زرعت البيت بالطماطم كم ينتج؟ قال لي: عشرة أطنان، ولكن مع الوسائل الحديثة نفس المساحة تنتج 25 طنا، المساحة نفسها، لوجود وسائل علمية، وتسميد.
لذلك الآن بعض الدول في العالم الغربي والشرقي رأت أنه في النهاية المعركة معركة طعام وشراب، كنا في معركة بترول، ثم معركة قمح، ثم معركة ماء، المرجح في المستقبل أن تكون المعركةُ معركةَ مواد غذائية، لأن الإنسان في النهاية كائن له فم يجب أن يمتلئ بالطعام ، مؤمنا كان أو غير مؤمن، مثقفا أو غير مثقف، متعلما أو غير متعلم، عربيا أو غير عربي، لا بد من أن يأكل، فلذلك: ويل لأمة تأكل مالا تزرع.
بعض البلاد المتقدمة جداً الآن تشتري الأراضي في إفريقية كي تزرعها، وكي تنال حاجتها من الغذاء، وأكبر بلد عربي مساحة فيه مليونان ونصف مليون كيلومتر مربع صالحة للزراعة، وفيه نهر أربعة أخماسه يصب في البحر، والأرض معطلة عن الزراعة، والماء يذهب في البحر هدراً، والشعب فقير جداً أيعقل هذا؟!.
أيها الإخوة، هذا درس بليغ لنا:
إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ
في بعض المناطق نشأت مشاريع زراعة تفاح في أعلى درجة، هذا الإنتاج الغزير خفض السعر، فإذا استصلحنا أراضينا، وبنينا السدود، وحفرنا الآبار، واكتفينا عن أن نستورد الغذاء أصبحنا أقوياء، أما كلُّ شيء نستهلكه مستورد فهذه مشكلة كبيرة.
2. تشجيع إحياء الأرض الميتة:
لقد سعى النبي عليه الصلاة والسلام لتحسين الإنتاج، وزيادته، وتوسيع الأراضي المزروعة، وإصلاح الري، وتوفير الماء اللازم للزراعة، وتشريع العلاقات الزراعية، وهناك تشريعات كثيرة في هذا، وأهم شيء
أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ
[أخرجه أحمد في مسنده وأبو داود والترمذي عن سعيد بن زيد]
أيْ: حفر بئرا، وزرع أشجارا، قلبها من منطقة صفراء إلى منطقة خضراء، إذاً: هي له، والآن في بعض البلاد عندهم مشروع، اسمه المشروع الأخضر، أيّ إنسان يحق له أن يأخذ قطعة من الجبل، فإذا قلب هذه الأرض الصفراء إلى أرض خضراء فهي ملكه، لا يوجد نظام يشجع على الزراعة مثل هذا النظام، وتحويل الأراضي القاحلة إلى أراضٍ خضراء، وتكثير الإنتاج، وتخفيض الأسعار، وإشاعة الرخاء كهذا المشروع.
مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ
وقال عليه الصلاة والسلام:
من أحيا أرضاً ليست لأحد فهو أحق بها
[الجامع الصغير بلفظ: ” مَن أعمر أرضا… ” عن عائشة بسند صحيح]
الإحياء هو الغرس، والزرع، وحفر البئر، وموطن رعي الدواب زراعة النخيل.
النخيل الذي أكل منه النبي عليه الصلاة والسلام لا زلنا حتى الآن تقطف ثماره وتسوّق، لأن عمر النخلة ستة آلاف عام.
مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ
من أحيا أرضاً ليست لأحد فهو أحق بها
والإحياء هو الغرس، والزرع، وحفر البئر، وإيجاد موطن رعي الدواب، وزراعة النخيل، وأصل الإحياء إنما هو بالماء، وذلك كاشتقاق نهر، واستخراج عين، أو حفر بئر، أو بناء غرفة، أو غرس شجرة، وما إلى ذلك.
من ألهم النبي الكريم هذه الإجراءات؟ هذه إجراءات حضارية.
ثانياً: التجارة:
وأما في التجارة فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة سوقاً واحدة أراد أن يتخذها أولاً في موضع في بقيع الزبير، واعترض كعب بن الأشرف أحد زعماء اليهود المناوئين للإسلام، وقطع حبال الخيام التي وضعها النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك الموضع، فنقلها النبي إلى موضع سوق المدينة،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
هذه سوقكم فلا يضيق، ولا يؤخذ فيه خراج
[ورد في الأثر]
لذلك خطط النبي الكريم للسوق التجاري، فلا يضيق، لأن المكان واسع، ولا تحتاج إلى موقف سيارة، أو مكان إناخة الجمل، الحياة هي الحياة، السوق التجاري يحتاج إلى موقف، وبعض الأسواق في أسترالية مثلاً فيما شاهدت أربعة أخماسها مواقف سيارات.
فكان النبي يقول: هذا السوق لكم أيها المسلمون، فيها مكان لإناخة جمالكم، يتجول المسلم ويشتري، يركب جمله ويمشي، يركب مركبته ويمشي، نقلها النبي عليه الصلاة والسلام إلى موضع إلى سوق المدينة، وقال:
هذه سوقكم فلا يضيق، ولا يؤخذ فيه خراج
ليس عليها ضرائب، وكانت سوق المدينة فضاءً واسعاً لا بناء فيه، يضع التجار فيه سلعهم، والمكان لمن سبق، يبيع فيها أصحابها ما يعرضون من حاجاتهم المختلفة، وكان الراكب ينزل بسوق المدينة، فيضع رحله، ثم يطوف بالسوق، ورحله أمام عينيه لا يحجبه عنه شيء.
إذاً: تيسير مكان للباعة من تخطيط النبي، وإقامة أسواق من تخطيط النبي.
ثالثاً: الصناعة:
الآن مع الحرف الصناعية: كانت الحياة المهنية والصناعية في المدينة تتوافق مع الظروف العامة في بلاد العرب، تبدو فيها البساطة بشكل عام، فاللباس وما يتعلق بصناعة الملبوسات كان غاية في البساطة والقلة.
كانت هناك حِرف كثيرة قائمة في المدينة لأداء الحاجات اليومية للناس، وهي محدودة، كالدباغة، ونسج الصوف، وحوائج الركوب، وأدوات المنزل، وحرف البناء، والخيام، والسلاح.
هناك دراسة عن الدول النامية الفقيرة التي تبيع الصوف للبلاد الصناعية، فيرجع القماش مصنعا من الصوف، بكم ضعف عن ثمن البيع؟ 3700 ضعف عن ثمن الشراء، يرجع قماشا مصنعا غاليا جداً، فهؤلاء يغتنون على حساب الشعوب النامية، وضعف نسيجها.
قال الله عز وجل في الحرف والصناعة:
(وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا)
[سورة هود الآية: 37]
أساساً قوم عاد كانت متفوقة جداً في ذلك،
قال تعالى:
(أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ)
[سورة الشعراء]
كانوا متفوقين في البنيان، وفي الصناعة، وفي النواحي العسكرية، وفي النواحي العلمية:
(وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ)
[سورة العنكبوت]
قال الله تعالى في القرآن الكريم عن سيدنا نوح:
(وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا)
هذه صناعة النجارة.
قال الله تعالى في القرآن الكريم عن سيدنا داوود:
(وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ)
[سورة الأنبياء]
صناعة الحديد الدروع.
إذاً: عندنا نجار، وعندنا حداد.
والآية الأخرى:
(أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ)
[سورة سبأ الآية: 11]
درع سابغة، أو أوان للطعام.
وهناك صناعات حربية ومدنية.
(قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ)
[سورة النمل الآية: 44]
الحقيقة أن هناك شيئًا مدهشا، أن الملكة بلقيس جاءت إلى قصر سليمان، فلما دُعيت إلى دخول قصره وبهوه رأت ماء يجري، فرفعت ثوبها قليلاً، لأنهل تصورت أن هذا المكان فيه ماء، صحيح أن فيه ماء، ولكن فوقه بلور صافٍ، 100 %، هذه صناعة متفوقة جداً.
(قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ)
فتقدمي ولا تخشي الماء، فصغرت.
لقد أرشد النبي عليه الصلاة والسلام إلى أهمية السلاح والأدوات البحرية كالمنجنيق، والسيوف، والأقواس والسهام، وغيرها، وكان أعظم توجيه صناعي قدمه النبي عليه الصلاة والسلام:
إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه
[أخرجه البيهقي عن عائشة]
تجد الصناعة غالية جداً، أحيانا الفرق بأربعة أضعاف للإتقان فقط، لذلك:
إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه
والآن أيّ إنسان إذا كان عمله متقنا تكون أرباحه عالية، لأن عليه إقبالا شديدا، في أي مجال صناعي، أو تجاري، أو زراعي، وقد تجد مطعما في اليوم غلته مليون ليرة، ومطعم إلى جانبه غلته عشرة آلاف، الفرق في الإتقان، لذلك هذا حديث أصل في الصناعة:
إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه
لذلك الدول النامية فوق أنها نامية بضاعتها غير مقبولة عند التصدير، فيها غش وفيها تقصير.
وكان من صناعات الإتقان نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من الصناعات التي تقدمت في المدينة الصباغة، والدباغة، وقد شاركت فيها النساء أمثال زينب بنت جحش، وأسماء بنت عميس، وكان أهل المدينة يصنعون الخوصة فتعلم منهم سلمان الفارسي، وقد صنع منبرا من الخشب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عاش إلى سنة 654 هجري.
رابعاً: الثروة الحيوانية:
هناك ثروة حيوانية في المدينة بعد الهجرة، وكان أهم شيء فيها العناية بالخيول والإبل، والحيوانات المستخدمة في الجري والركوب، لذلك أعطي الحصان أو الفرس من أسهم الغنائم ما يعدل ضعف نصيب صاحبه، لأهميته في ميدان القتال، فصار هناك تنشيط لتربية الخيول، الآن فقط للسباق، أما قديماً فقد كانت للحرب.
هناك ملكيات عامة، هي مواد أساسية ممنوع أن يتملكها إنسان.
يقول عليه الصلاة والسلام:
الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّار
[ابن ماجه عن ابن عباس]
هذا الماء تدفع أنت أجرة خدمات المؤسسة لا ثمن الماء، فالثمن أجور خدمات.
هناك قرية في إحدى المناطق فيها تقريباً ثلاثون مزرعة، وأصابتها سنوات جفاف متتابعة، كان رعاة الغنم كلما دخلوا إلى مزرعة لإسقاء الغنم طردوا وعنّفوا، إلا مزرعة واحدة استقبلتهم على الرحب والسعة، بل إن صاحب المزرعة بنى للغنم خندقاً يملأ بالماء كي يسهل الشرب لأعداد كبيرة الغنم، يقسم لي إنسان في هذه المنطقة إنه بعد عامين جفّت آبار الثلاثين مزرعة، إلا هذا الذي استقبل هذه الكائنات، وأشربها ماء فراتاً.
نظام الزكاة:
أما التعاون فكان أساسه نظام الزكاة، فإذا كانت أرض الإنسان المزروعة قد سقاها بماء البئر فإن زكاة أرضه العشر، وإذا كان سقيها بماء السماء فزكاة إنتاجه الزراعي نصف العشر، لذلك صار توزيع الخيرات على الفقراء بشكل كبير.
خاتمة:
الحقيقة أيها الإخوة، قضية الاقتصاد الآن ترتقي إلى المرتبة الأولى، مع أن هذا الذي ذكرته يعني قضايا بسيطة ومتواضعة، لكن لها دلالات كبيرة، النبي عليه الصلاة والسلام أرسى نظاماً اقتصادياً عني بالزراعة، والصناعة، والتجارة، والحرف، ونظم العلاقات التشريعية بين كل هؤلاء.
1. يجب أن تنجح في جميع مجالات الحياة الشخصية والاجتماعية:
أقول لكم هذه الكلمة الأخيرة: ما من نجاح جزئي، تنجح بعملك، ولا تنجح في بيتك، ليس هذا نجاحاً، تنجح بعملك وبيتك، وما تنجح مع ربك، ليس هذا بنجاح، تنجح مع ربك، صائم، مصل، عابد، مستقيم، لكن ما في يدك لا مصلحة، ولا عمل، ولا وظيفة، ولا شهادة، بل أنت عالة على الآخرين، ليس هذا نجاحاً، لا بد من أن تنجح في كل شؤون حياتك، أبرز هذه الشؤون علاقتك بربك، تعرفه، تطبق منهجه، تقيم أوامره، يراك حيث أمرك، ويفتقدك حيث نهاك، وأن تنجح مع أهلك.
هناك أشخاص ناجحون جداً، لكنهم مخفقون جداً مع زوجاتهم وأولادهم، يجب أن تنجح مع زوجتك وأولادك، يجب أن تنجح مع صحتك، طبق تعليمات.
صدقوا أيها الإخوة، الدول النامية نفقات المعالجة مئة ضعف، من ضعف الوعي، يحب الملح، ويكثر منه، فيرتفع ضغطه، الضغط ما له أعراض، فجأة خثره بالدماغ فشُل، ليس هناك جهاز ضغط في البيت أساساً، والقاتل الصامت هو الضغط.
الحياة تحتاج إلى وعي، إلى إدراك،
المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ
يجب أن تنجح مع ربك، ويجب أن تنجح مع أهلك، ويجب أن تنجح مع جسمك ويجب أن تنجح في عملك، وما لم تحقق النجاح في العمل وفي الصحة، ومع الأهل، ومع الله لا يعد نجاحاً.
أؤكد لكم هذا المعنى: النجاح الحقيقي نجاح شمولي، مع الله، ومع أهلك وأولادك، ومع عملك، ومع جسمك، لا تقطف ثمار النجاح إلا إذا كان شمولياً، لا تعد ناجحاً إلا إذا كان نجاحك شمولياً، هذا ما أؤمن به.
الصحابة تفوقوا، كانوا رهباناً في الليل، فرساناً في النهار، تفوقوا،
كان عليه الصلاة والسلام قبل أن ينتقل إلى الرفيق الأعلى نظر إليهم فابتسم، حتى رئيت نواجذه قال:
حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء
[ورد في الأثر]
أعلام.
المؤمن شخصية فذة، يحيرك بعلمه، بأخلاقه، بجمالياته، أنيق، بيته مرتب، ربما يكون فقيراً لكنه أنيق، ثيابه مرتبة، مواعيده دقيقة، حساباته منتظمة، ثقافته واسعة، بيته منتظم، ناجح مع زوجته، مع أولاده، هذا المؤمن.
ليس هناك مؤمن يعيش سهللا:
(وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)
[سورة الكهف]
2. الإيمان مرتبة علمية وجمالية وذوقية:
لا حسابات مضبوطة، ولا مواعيد مضبوطة، ولا بيت منضبط، ولا عمل متقن، وهو يحب الله ! هذا النموذج مرفوض، يجب أن تكون شخصية فذة، الإيمان مرتبة علمية.
ما اتخذ الله من ولي جاهل ولو اتخذه لعلمه
الإيمان مرتبة أخلاقية، إذا حدثك فهو صادق، عاملك فهو أمين، استثيرت شهوته فهو عفيف، الإيمان مرتبة جمالية، عنده مسحة جمالية في حياته، أذواقه عالية جداً.
والحمد الله رب العالمين
منقول عن:
السيرة – فقه السيرة النبوية – الدرس (52-57) : القاعدة الاقتصادية في عهد النبي
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-04-21 | المصدر
السيرة – فقه السيرة النبوية – الدرس (53-57) : الأسس التي رسخها النبي في الاقتصاد الإسلامي
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-04-28 | المصدر
السيرة – فقه السيرة النبوية – الدرس (54-57) : بعض التفاصيل حول الأسس التي رسخها النبي في المدينة
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-05-05 | المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق